الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٥٢
مثله في العلم، وعارضهم بعض الشافعيين بما حدثناه هشام بن سعيد الخير بن فتحون قال: ثنا عبد الجبار المقرئ بمصر، نا الحسن بن الحسين النجيرمي، ثنا جعفر بن محمد الأصبهاني، نا يونس بن حبيب، نا أبو داود الطيالسي، نا جعفر بن سليمان، عن النضر ابن معبد، عن الجارود، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما، اللهم إنك أذقت أولها عذابا أو وبالا فأذق آخرها نوالا. فقالوا: هذه صفة الشافعي، فما ملا الأرض علما قرشي غيره، وحدثنا أحمد بن محمد بن الجسور قال: نا ابن أبي دليم، نا ابن وضاح، نا أبو بكر ابن أبي شيبة، عن عبد الاعلى، عن معمر الأزهري، عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا من قريش ولا تعلموها، وقدموا قريشا ولا تؤخروها. فإن للقرشي قوة الرجلين من غير قريش.
قال أبو محمد: وهذا حديث صحيح، أصح من حديثهم الذي شنعوا به.
وأما الحقيقة في ذلك الحديث فهي: أن الصفة التي بين صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث لم تأت بعد هذا، إن صح الحديث المذكور، لان الزمان إلى الآن لم تكن قط فيه البلاد عارية من عالم يضاهي علماء المدينة، فقد كان في عصر الصحابة بالعراق ابن مسعود وعلي وسليمان، وكان بالشام معاذ وأبو الدرداء، وكان بمكة ابن عباس، ولا يحل لذي ورع وعلم أن يقول: إن عمر وعائشة وأبي بن كعب وزيد بن ثابت كانوا أفقه من علي وابن مسعود ومعاذ وما ابن عباس بمتأخر عمن ذكرنا.
ثم أتى التابعون، فلا يقدر ذو ورع وعلم أن يقول: إن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار كانا أفقه من عطاء والحسن وعلقمة والأسود، ثم أتى صغار التابعين، فلا يقدر ذو ورع وعلم أن يقول: إن ربيعة والزهري وأبا الزناد كانوا أفقه من إبراهيم النخعي، وعامر والشعبي وسعيد بن جبير وأيوب السختياني وعمر بن عبد العزيز، ثم أتى عصر مالك، فكان معه ابن أبي ذئب وسفيان الثوري والأوزاعي وابن جريج والليس، وليس أحد ممن ذكرنا دونه في رواية ولا دراية ولا ورع، ثم هكذا إلى أن انقطع الفقه من المدينة جملة. واستقر في الآفاق.
(٨٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 847 848 849 850 851 852 853 854 855 856 857 ... » »»
الفهرست