الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٥٥
الظالمين أن يحولوا بينهم وبين ألسنتهم، كما حالوا بينهم وبين العمل، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: ومن البرهان اللائح على بطلان التقليد أن أهل العصر الأول والعصر الثاني والعصر الثالث: وهي القرون التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم كما حدثنا عبد الله بن ربيع، عن محمد بن إسحاق بن السليم، عن ابن الأعرابي، عن أبي داود، عن مسدد وعمرو بن عون قالا: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة ابن أوفى، عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، والله أعلم أذكر الثالث أم لا، ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويحربون ولا يؤتمنون، ويفشون فيهم السمن.
قال أبو محمد: وهكذا في كتابي، والصواب: يخونون ولا يؤتمنون. وبلفظة يخونون، رويناه من طريق مسلم، عن محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة، عن أبي حمزة، عن زهدم، عن عمران، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فكان أهل هذه القرون الفاضلة المحمودة يطلبون حديث النبي صلى الله عليه وسلم والفقه في القرآن، ويرحلون في ذلك إلى البلاد، فإن وجدوا حديثا عنه صلى الله عليه وسلم عملوا به واعتقدوه، ولا يقلد أحد منهم أحدا البتة، فلما جاء أهل العصر الرابع تركوا ذلك كله، وعولوا على التقليد الذي ابتدعوه ولم يكن قبلهم، فاتبع ضعفاء أصحاب أبي حنيفة أبا حنيفة، وأصحاب مالك مالكا، ولم يلتفتوا إلى حديث يخالف قولهما، ولا تفقهوا في القرآن والسنن، ولا بالوا بهما، إلا من عصمه الله عز وجل وثبته على ما كان عليه السلف الصالح في الاعصار الثلاثة المحمودة، من اتباع السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفقه في القرآن وترك التقليد.
وأما أفاضل أصحاب أبي حنيفة ومالك فما قلدوهما، فإن خلاف ابن وهب وأشهب وابن الماجشون والمغيرة وابن أبي حازم، لمالك أشهر من أن يتكلف إيراده، وقد خالفه أيضا ابن القاسم، وكذلك خلاف أبي يوسف وزفر ومحمد والحسن بن زياد لأبي حنيفة أشهر من أن يتكلف إيراده، وكذلك خلاف أبي ثور
(٨٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 850 851 852 853 854 855 856 857 858 859 860 ... » »»
الفهرست