الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٠
السلام أن هذه هي العبادة. قال أبو محمد: ولا جرم، فقد حرم مقلدو مالك شحوم البقر والغنم إذا ذبحها يهودي، وحرموا الجمل والأرنب، إذا ذكاهما يهودي، تقليدا لخطأ مالك في ذلك، وردوا قول الله تعالى في ذلك بعينه: * (وطعامكم حل لهم) *.
وأحل أصحاب أبي حنيفة ثمن الكلب الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرم من اتبعه منهم المساقاة التي أحلها الله تعالى، تقليدا لخطأ أبي حنيفة في ذلك، وردوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره في ثمن الكلب أنه سحت وتحريمه إياه، وهذا نص ما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من فعل اليهود والنصارى، وقد أنذر صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: لتركبن سنن من كان قبلكم فقيل له:
يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ فقال صلى الله عليه وسلم كلاما معناه: نعم.
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود، نا ابن دحيم بن حماد، نا إسماعيل بن إسحاق، نا حجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، نا عطاء بن السائب، عن أبي البختري، أن سلمان قال لزيد بن صوحان وأبي قرة، كيف أنتما عند زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن، والقرآن حق، ودنيا مطغية تقطع الأعناق؟ ثم قال: أما زلة العالم فإن اهتدى فلا تحملوه دينكم، وإن زل فلا تقطعوا منه أناتكم، وأما جدال المنافق بالقرآن، والقرآن حق، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق، فما أضاء لكم فاتبعوه، وما شبه عليكم فكلوه إلى الله عز وجل، وذكر باقي الحديث.
قال أبو محمد: فهذا سلمان ينهى أن يقلد العلماء، ويأمر باتباع ظاهر القرآن الذي هو كمنار الطريق، وينهى عن التأويلات والمتشابه منه، وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين.
حدثنا يوسف بن عبد الله النمري، أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، هو ابن الزيات، نا محمد بن أحمد القاضي المالكي البصري، نا موسى بن إسحاق. نا إبراهيم بن المنذر الخزامي قال: نا معن بن عيسى القزاز، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه، فهذا مالك ينهى عن تقليده، وكذلك أبو حنيفة وكذلك الشافعي، فلاح الحق لمن لم يغش نفسه، ولم تسبق إليه الضلالة، نعوذ بالله منها.
(٨٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 855 856 857 858 859 860 861 862 863 864 865 ... » »»
الفهرست