الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٥٨
يكن قط فيهم، فلهم متعلق على سبيل المسامحة، ولم يجدوه فليوقنوا أنهم قد أحدثوا بدعة في دين الله تعالى لم يسبقهم إليها أحد.
وليعلموا أن عصابة من أهل العصر الرابع ابتدعوا في الاسلام هذه البدعة الشنعاء إلا من عصم الله تعالى منهم، والبدع محرمة، وشر الأمور محدثاتها، وليعلموا أن طلاب سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت، والعاملين بها والمتفقهين في القرآن الذين لا يقلدون أحدا، هم على منهاج الصحابة والتابعين والأعصار المحمودة، وأنهم أهل الحق في كل عصر، والأكثرون عند الله تعالى، بلا شك، وإن قل عددهم، وبالله تعالى التوفيق.
وليعلم من قرأ كتابنا أن هذه البدعة العظيمة، نعني التقليد، إنما حدثت في الناس وابتدئ بها بعد الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة، وبعد أزيد من مائة عام وثلاثين عاما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن قط في الاسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعدا على هذه البدعة، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالما بعينه، فيتبع أقواله في الفتيا، فيأخذ بها ولا يخالف شيئا منها، ثم ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم، ثم لم تزل تزيد حتى عمت بعد المائتين من الهجرة عموما طبق الأرض، إلا من عصم الله عز وجل، وتمسك بالامر الأول الذي كان عليه الصحابة والتابعون، وتابعو التابعين بلا خلاف من أحد منهم، نسأل الله تعالى أن يثبتنا عليه، وأن لا يعدل بنا عنه، وأن يتوب على من تورط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين، وأن يفئ بهم إلى منهاج سلفهم الصالح.
حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي، قال: نا محمد بن إسحاق بن السليم قال: نا ابن الأعرابي، عن أبي داود، نا أبو بكر بن شيبة، نا وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود، وهو البدري، لأبي عبد الله، وهو حذيفة، أو قال أبو عبد الله، وهو حذيفة، لأبي مسعود البدري. ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس مطية الرجل.
(٨٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 853 854 855 856 857 858 859 860 861 862 863 ... » »»
الفهرست