الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٣
دين الاسلام في تلك المسألة، ولو علم أنه يفتيه بغير ذلك لتبرأ منه وهرب عنه.
وفرض على الفقيه إذا علم أن الذي أفتاه به هو في نص القرآن والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الاجماع أن يقول له: نعم، هكذا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وحرام عليه أن ينسب إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا، قاله بقياس أو استحسان أو تقليد لاحد دون النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن فعل ذلك كان بذلك كاذبا على رسوله عليه السلام، ومقولا له ما لم يقل، وقد وجبت له النار يقينا، بنص قوله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي فليلج النار وهذا الذي قلنا لا يعجز عنه واحد وإن بلغ الغاية في جهله، لأنه لا يكون أحد من الناس مسلما حتى يعلم أن الله تعالى ربه، وأن النبي عليه السلام، وهو محمد بن عبد الله، رسول الله بالدين القيم.
فإن قال قائل: فإن أفتاه الفقيه بفتيا منسوخة أو مخصوصة، أو أخطأ فيها فنسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليست من قوله، سهوا أو تعمد ذلك، فما الذي يلزم العامي من ذلك؟ وقد روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي رحمه الله الرجل تنزل به النازلة وليس يجد إلا قوما من أصحاب الحديث والرواية لا علم لهم بالفقه، وقوما من أصحاب الرأي من يسأل؟ فقال يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث خير من الرأي.
قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إن هذا ينقسم ستة عشر قسما، وهي:
من بلغه خبر منسوخ، أو آية منسوخة، ولم يعلم بنسخ ذلك، فالعامي والعالم في ذلك سواء، والواجب عليهما بلا شك العمل بذلك المنسوخ، ولم يؤمرا قط بتركه إلا إذا بلغهما النسخ، قال تعالى: * (لأنذركم به ومن بلغ) *، فأخبر تعالى أنه لا تلزم النذارة إلا من بلغه الامر، فما دام النسخ لم يبلغه فلم يلزمه. وإذا لم يلزمه فلم يؤمر به: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *، وليس في وسع أحد أن يعلم ما لم يعلم في حين جهله به، ولا أن يعرف الشريعة قبل أن تبلغه، وقد لزمه الامر الأول بيقين، فلا يسقط عنه إلا ببلوغ الناسخ إليه بنص القرآن. وهكذا كان الصحابة الذين بأرض الحبشة، والصلاة قد فرضت بمكة إلى بيت المقدس وعرفوا
(٨٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 858 859 860 861 862 863 864 865 866 867 868 ... » »»
الفهرست