الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٧٤
وكذلك من قلد في فتيا أو نحلة وقامت عليه الحجة فعند فهو فاسق مردود الشهادة، ولو لم يفهمها فهو معذور، ولا يضر ذلك شهادته، قال الله تعالى: * (يجادلونك في الحق بعدما تبين) * فذم عز وجل من عند بعد أن تبين له الحق، وعذر النبي صلى الله عليه وسلم. عمر إذ لم يفهم آية الكلالة، فهذا فرق ما بين الامرين، وبالله تعالى التوفيق، وأما القسم الرابع، وهو المقلد المخطئ، فله إثم معصية التقليد، وإثم المعصية باعتقاده الخطأ، فعليه إثمان.
وقد يخرج على القسم الثالث الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليصلي الصلاة وما له منها إلا نصفها، ثلثها، ربعها فيكون ذلك على قدر ما وافق فيه الحق من أحكام صلاته.
وقد بينا فيما خلا كيفية اجتهاد طالب الفقه، وما يلزمه من معرفة الرواة والثقات والمجرحين والمسند المرسل، وبناء النصوص بعضها على بعض من الآي والأحاديث والاستثناء، والإضافة، وزيادات العدول، والناسخ والمنسوخ، والمحكم، والعام، والخاص، والمجمل والمفسر، والاجماع والاختلاف وكيفية الرد إلى القرآن والسنة، وفهم البراهين والشغب، على حسب ما تنتهي إليه طاقته، وبينا في هذا الباب وجه اجتهاد العامي.
وأما من أباح للعامي أن يقلد فقد أخطأ بالبراهين التي قدمنا، من نهي الله تعالى عن التقليد جملة، ومع خطئه فقد تناقض، لان القائل بما ذكرنا قد أوجب على العامي البحث عن أفقه أهل بلده، وهذا النوع من أنواع الاجتهاد، فقد فارق التقليد وتركه، ولم يقل أحد أن العامي يقلد كل من خرج إلى يده.
فقد صح معنى ترك التقليد من العامي وغيره بإجماع لما ذكرنا آنفا، وإن أجاز لفظه مجيزون ناقضون في إجازتهم إياه، وكل من أقر بلفظ وأنكر معناه فقد أقر بفساد مذهبه، وأيضا فإنه إن بحث عن أفقه أهل بلده لم يكد يجد اتفاقا على ذلك، بل في الأغلب يدله قوم على رجل، ويدله آخرون على آخر.
وأيضا فقد يحمل اسم التقدم في الفقه في بلد ما عند العامة من لا خير فيه،
(٨٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 869 870 871 872 873 874 875 876 877 878 879 ... » »»
الفهرست