الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٧١
نكاح امرأة أمه أرضعته رضعتين فأفتاه بنكاحها، أتبيح له ذلك، وتقول:
إنه لازم الاخذ بقوله.
أو سأل حنفيا عن المساقاة، أتجوز؟ فحرمها عليه، أيكون الاخذ بتحريم المساقاة واجبا عليه؟.
فإن قال نعم، قيل له: من أوجب عليه تحريم ذلك؟، إذ يقول: إنه واجب عليه أن يأخذ بقول الفقيه الذي يفتيه، أنت أم الله عز وجل؟ فإن قال: الله عز وجل، كذب على الله تعالى، وأقر مع ذلك أن الله تعالى أوجب عليه خلاف مذهبه، وإن قال: أنا أوجبت ذلك ترك مذهبه، وزادنا أنه يحرم ويحلل، وهذا خروج عن الاسلام.
وكذلك يسأل الحنفي عن عامي استفتى مالكيا عن كلام الامام في الصلاة بما فيه إصلاحها، فأفتاه بجواز ذلك، أيلزمه الاخذ بقوله فيصير له الكلام في الصلاة مباحا؟ ثم يلزمه كل ما ذكرنا آنفا.
وهكذا نسأل كل معتقد لمسألة يستعظم مخالفة من خالفه فيها من عامي سأل فقيها فأفتاه بما يستعظمه هذا الذي نسأله نحن، أفرض الله تعالى عليه قبول ذلك المعنى أم لا؟ فإن قال: لا، ترك قوله الفاسد: إن العامي قد فرض الله تعالى عليه قبول ما أفتاه الفقيه المسؤول، وإن لج وقال: نعم، صار حاكما بتحريم شئ وتحليله في وقت واحد على إنسان واحد من وجه واحد وبإيجابه وسقوطه في وقت واحد وجعل حكم الله تعالى مردودا إلى حكم ذلك المفتي، وجعل حكم ذلك المفتي مبطلا لحكم الله تعالى، ولحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وجعل دين الله تعالى موكولا إلى آراء الرجال، ومتبدلا بتبدل الفتاوى، فمرة ساقطا ومرة لازما، وفي هذا مفارقة الاسلام، ومكابرة العقل، وإبطال الحقائق، وبالله تعالى التوفيق.
والناس فيما يعتقدونه ولا يخلون من أحد أربعة أوجه لا خامس لها: إما أن يكون المرء طلب الصواب فأداه اجتهاده إلى الصواب حقا فاعتقده على بصيرة، وإما أن يكون طلب الصواب فحرم إدراكه لبعض العوارض التي سبقت له في علم
(٨٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 866 867 868 869 870 871 872 873 874 875 876 ... » »»
الفهرست