الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٧٠
لم يكن له بعد الهجرة غيرها، ففرض عليه أن يتركهم ويستأنف سؤال غيرهم، ثم يلزمه ما قلنا آنفا، قبل هذا من موافقته للحق أو حرمانه إياه بعد اجتهاده.
ويكون العامي حينئذ بمنزلة عالم لم يبين له وجه الحكم في مسألة ما، إما بتعارض أحاديث أو آي أو أحاديث وآي، فحكمه التوقف والتزيد من الطلب والبحث، حتى يلوح له الحق، أو يموت وهو باحث عن الحق، عالي الدرجة في الآخرة في كلا الامرين، ولا يؤاخذه الله تعالى بتركه أمرا لم يلح له الحق فيه لما قدمنا قبل من أن الشريعة لا تلزم إلا من بلغته وصحت عنده.
والأصل إباحة كل شئ بقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وبقوله صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس جرما في الاسلام من سأل عن أمر لم يحرم فحرم من أجل مسألته.
والأصل ألا يلزم أحدا شئ إلا بعد ورود النص وبيانه، وبقوله تعالى:
* (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * وبقوله عليه السلام: لو قلتها لوجبت فاتركوني ما تركتكم وبقوله صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان: خشيت أن يفرض عليكم فمن علم أن عليه الحج ولم يدر كيف يقيمه، فلا يؤاخذ من تركه ما وجب عليه من عمل الحج إلا بما علم، لا بما لا يعلم، ولكن عليه التزيد في البحث حتى يدري كيف يعمل ثم حينئذ يلزمه الذي علم، ولا يؤاخذ الله تعالى أحدا بشئ لم تقم عليه الحجة، ولا صح عنده وجهه، لأنه لم يبلغه ذلك الحكم، قال تعالى: * (لأنذركم به ومن بلغ) *.
وأما من قال: إن الفرض على العامي أن يقبل ما أفتاه به الفقيه - ولم يفسر كما فسرنا - فقد أخطأ.
ونحن نسأل قائل هذا القول فنقول له: إن كنت شافعيا فماذا تقول في عامي سأل مالكيا أو حنفيا عن رجل أعتق أمته وتزوجها وجعل عتقها صداقها؟.
فأفتاه بأنها ليست له بزوجة، وأن نكاحه فاسد، أتجيز له أن يعتر بغير طلاق، فيزوجها من غيره، فيبيح له فرجا حرمه الله عليه؟ أو تراه عاصيا إن قام معها؟.
وإن كان مالكيا قلنا له: ما تقول في عامي سأل شافعيا أو حنبليا عن
(٨٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 865 866 867 868 869 870 871 872 873 874 875 ... » »»
الفهرست