الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٦
فأما الذي عمل بالعموم في الخصوص ولم يبلغه الخصوص وهو يظنه عموما، فمأجور أجرين، لان فرضه أن يعمل بما بلغه حتى يبلغه خلافه، إذ وجوب الطاعة لله تعالى فرض عليه، فلو تأول أنه مخصوص دون دليل يقوم له على ذلك، لكن مطارفة، فعمل بالخصوص فوافق الحق، فإن كان مستسهلا لمخالفة ظاهر ما يأتيه عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم بلا دليل، فهو فاسق عاص بهذه النية فقط غير عاص فيما فعل، لأنه لم يخطئ في ذلك، فإن فعل ذلك باتفاق دون قصد إلى خلاف ما بلغه من الظواهر عن الله تعالى ورسوله عليه السلام فلا إثم عليه البتة.
والقياس وقول من دون النبي صلى الله عليه وسلم بغير نص ولا إجماع والرأي، كل ذلك خطأ، ولم يكن قط حقا البتة.
ثم وجهان: وهما حاكم شهد عنده رجلان - هما عنده عدلان - فوافق أن شهدا بباطل، إما عمدا وإما غلطا، فإنه حق مأمور بالحكم بشهادتهما. لأنه قد ورد النص بقبول شهادة العدول عندنا. ولم نكلف علم غيبهما، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يحكم بظاهر الشهادة أو اليمين، ولعل الباطن خلاف ذلك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحكم إلا بالحق الذي لا يحل خلافه.
ففرض على الحاكم أن يحكم بشهادة العدول عنده، وإن كانوا كاذبين أو مغفلين، وهو في ذلك مأجور أجرين، ولا إثم عليه فيما خفي عنه، فإن لم يحكم بتلك الشهادة فهو عاص لله عز وجل. فاسق بتلك النية وبعمله معا، والاثم عليه في تركه الحكم بها.
ثم وجهان: وهما: حاكم شهد عنده عدلان بحق فلم يعرفهما، فهو غير مأمور بالحكم بشهادتهما، ولا يحل له أن يحكم بها أصلا، وهما عنده مجهولان ولا إثم عليه فيما خفي عنه من ذلك، فلو حكم بها فهو آثم عاص بهذه النية وبعمله فاسق بها والاثم عليه في نفس حكمه، وإن كان بما وافق الحق.
وعمدة القول في هذا الباب كله: أن الاثم ساقط عن المرء فيما لم يبلغه، والاثم لازم له فيما بلغه فخالفه عمدا أو تقليدا، وأنه لا يجب على المرء إلا ما جاء به النص أو الاجماع حقا، لا ما أفتاه به المفتون، مما لم يأت به نص ولا إجماع، وأخبر بأنه
(٨٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 861 862 863 864 865 866 867 868 869 870 871 ... » »»
الفهرست