الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٢
فإنما نحن دعاة إلى تفهم القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومبلغون من ذلك إلى من تقدمناه في الطلب، ما بلغه إلينا من تقدمنا، ومعلمون إياه، ومعاذ الله من التزيد في هذا أو من تبديله أو من النقص منه.
فإن قال قائل: فكيف يصنع العامي إذا نزلت به النازلة؟.
قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إنا قد بينا تحريم الله تعالى للتقليد جملة، ولم يخص الله تعالى بذلك عاميا من عالم، ولا عالما من عامي، وخطاب الله تعالى متوجه إلى كل أحد، فالتقليد حرام على العبد المجلوب من بلده، والعامي، والعذراء المخدرة، والراعي في شعف الجبال، كما هو حرام على العالم المتبحر ولا فرق، والاجتهاد في طلب حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، في كل ما خص المرء من دينه، لازم لكل من ذكرنا، كلزومه للعالم المتبحر ولا فرق، فمن قلد من كل من ذكرنا فقد عصى الله عز وجل، وأثم ولكن يختلفون في كيفية الاجتهاد فلا يلزم المرء منه إلا مقدار ما يستطيع عليه، لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * ولقوله تعالى: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * والتقوى كله هو العمل في الدين بما أوجبه الله تعالى فيه، ولم يكلفنا تعالى منه إلا ما نستطيع فقط، ويسقط عنا ما لا نستطيع، وهذا نص جلي على أنه لا يلزم أحدا من البحث على ما نزل به في الديانة إلا بقدر ما يستطيع فقط، فعلى كل أحد حظه من الاجتهاد، ومقدار طاقته منه، فاجتهاد العامي إذا سأل العالم على أمور دينه فأفتاه أن يقول له:
هكذا أمر الله ورسوله؟ فإن قال له: نعم، أخذ بقوله، ولم يلزمه أكثر من هذا البحث، وإن قال له: لا، أو قال له: هذا قولي، أو قال له: هذا قول مالك أو ابن القاسم أو أبي حنيفة أو أبي يوسف أو الشافعي أو أحمد أو داود أو سمى له أحد من صاحب أو تابع فمن دونهما غير النبي صلى الله عليه وسلم، أو انتهزه أو سكت عنه: فحرام على السائل أن يأخذ بفتياه، وفرض عليه أن يسأل غيره من العلماء وأن يطلبه حيث كان، إذ إنما يسأل المسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليخبره بحكم الله تعالى وحكم محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما يجب في
(٨٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 857 858 859 860 861 862 863 864 865 866 867 ... » »»
الفهرست