الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٤
ذلك فصلوا كذلك بلا شك، ثم حولت القبلة إلى الكعبة بالمدينة بعد ستة عشر شهرا من الهجرة، ولا خلاف بين أحد أنهم لم يلزمهم التحول إلى الكعبة ولا سقط عنهم فرض الصلاة، ولا كان لهم أن يصلوا إلى غير القبلة التي صح عندهم الامر بها، ما لم يبلغهم النسخ، وقد سمى الله تعالى صلاة من مات قبل أن يبلغهم بالنسخ إيمانا، فقال تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * وهكذا فعل أهل قباء صلوا نصف صلاتهم إلى بيت المقدس، ولا شك أنهم لم يبتدئوها إلى بيت المقدس إلا والقبلة قد نسخت، لكن لما لم يعلموا ذلك، لم يلزمهم ما لم يعلموا، ولا سقط عنهم ما كان لزمهم إلا بعد بلوغ النسخ إليهم. وهكذا القول في كل ما صح نسخه، ولم يصح عند بعض الناس.
وأما إن قامت عليه الحجة فعاند تقليدا ففاسق، وهذا في غاية البيان فيما قلنا والحمد لله رب العالمين.
وأما من بلغه الخبر المنسوخ أو الآية المنسوخة ولم يعرف أنهما منسوخان فأقدم على تركهما بغير علم الناسخ، فهو عاص لله تعالى، لأنه ترك الفرض الواجب عليه لما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
فهذا وجهان في النص المنسوخ الذي لم يبلغ المرء نسخه.
ثم وجهان آخران في عكس هذه المسألة: وهما نص غير منسوخ من آية أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم ظنه عالم من العلماء منسوخا، فترك العمل به، وأفتى بذلك عاميا، وأخبره أن الحديث أو الآية منسوخان، فتركه العامي أو عملا به وهما يظنان ويقدران أنه منسوخ، وهذا خلاف ما تقدم، لأنهما ههنا تركا العمل بما أوجبه الله تعالى عليهما، إلا أن من ترك ذلك مجتهدا - يرى أن الذي فعل هو الحق، ولم يتبين له غيره بعد - فهو مخطئ له أجر واحد ومن ترك ذلك مقلدا فهو عاص لله عز وجل آثم، لاحظ له في الآخرة أصلا لأنه ترك الحق للباطل دون اجتهاد.
فهذه أربعة أوجه:
ثم وجهان آخران، وهما: من بلغه حديث صحيح فلم يصح عنده فعمل به
(٨٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 859 860 861 862 863 864 865 866 867 868 869 ... » »»
الفهرست