الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٨
لم يقصد بذلك الله تعالى. ولا يكون من هم بالسيئة مصرا إلا من تقدم منه مثل ذلك الفعل، قال الله تعالى: * (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * فصح أن لا إصرار إلا على من قد عمل بالشئ الذي هو مصر عليه، وهو عالم بأنه حرام عليه، وأما من هم بقبيح ولم يفعله قط، فهو هام به لا مصر عليه، بالنصوص التي ذكرنا.
فإن قال قائل: ما تقولون في حربي كافر لقي مسلما فدعاه المسلم إلى الاسلام فأسلم، ثم علمه الشرائع، وقال له: هذه شرائع الاسلام، أيلزمه العمل بما أخبره من ذلك أم لا؟ قيل له وبالله تعالى التوفيق: الكلام في هذا كالكلام فيما تقدم.
وهو أن ما كان مما أمره به موافقا للنص أو الاجماع، فهو واجب عليه قبوله، ومأجور فيه إن عمله أجران، وعاص فيه إن لم يفعله، وما كان من ذلك بخلاف النص فهو غير واجب عليه، ولا يأثم في ترك العمل به، إلا إن استسهل خلاف ما ورد عليه من النص، فهو آثم في هذه النية فقط، فلو عمل بذلك أجر أجرا واحدا بقصده إلى الخير فقط، ولم يؤجر على ذلك العمل، ولا إثم فيه، لأنه ليس حقا فيؤجر عليه، ولم يقصد عمل الخطأ وهو يعلمه فيأثم عليه، وهذا حكم العامي في كل ما أفتاه فيه فقيه من الفقهاء. وهذا حكم العالم فيما اعتقده، وأفتى به، باجتهاد لا يوقن فيه أنه مصيب للحق عند الله عز وجل.
فهي أربع مراتب هو: إنسان عمل بالحق وهو يدري أنه حق، فله أجران: أجر النية وأجر العمل، وآخر عمل الباطل وهو يدري وهو يدري أنه باطل، فله إثمان: إثم النية وإثم العمل، وقال تعالى: * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) *.
فالنية عمل النفس المجرد، والعمل على الجوارح بتحريك النفس لها، فهما عملان متغايران، وثالث عمل بالحق وهو يظنه باطلا، أو ترك الباطل وهو يظن أن ذلك الباطل الذي ترك حق، فلا إثم عليه فيما عمل، ولا فيما ترك، لأنه لم يعمل محرما عليه، ولا ترك واجبا عليه، ولا يؤجر أيضا في شئ من ذلك، لأنه لم يقصد بنيته في ذلك وجه الله تعالى، فإن نوى في ذلك استسهال مخالفة الحق فهو آثم بهذه النية فقط، لا بما فعل ولا بما ترك. ورابع عمل بالباطل وهو يظنه حقا أو ترك الحق وهو يظنه باطلا، فهذا مأجور في نيته للخير أجرا واحدا، ولا إثم عليه فيما فعل ولا فيما ترك ولا أجر أيضا، لأنه لم يعمل صوابا فيؤجر.
(٨٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 863 864 865 866 867 868 869 870 871 872 873 ... » »»
الفهرست