الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٧
نص أو إجماع، وأنه مأجور على نيته ومثاب عليها، فإن كانت خيرا، فخير وإن كانت شرا فشر، وإن المرء لا يأثم بعمل ما أمر به وإن لم يعلم أنه مأمور به ولا يأثم بترك ما لم يؤمر به. وإن لم يعلم أنه ليس مأمورا به، وإن ظن أنه مأمور به لان النية غير العمل، إلا أن يبلغه نص فيخالفه، وإن كان مخصوصا أو منسوخا بعد أن يبلغه الناسخ أو المخصص.
ومن هذا الباب: من لقي امرأة فراودها عن نفسها فأجابته فوطئها، وهو يظنها أجنبية، فإذا بها امرأته، ولم يكن عرفها بعد ولا كان دخل بها، أو لقي إنسانا فقتله وهو يظنه مسلما حرام الدم، فإذا به قاتل أبيه عمدا أو كافر حربي، أو انتزاع مالا من مسلم كرها، فإذا به ماله نفسه، فكل هذا إن كان مستسهلا للزنى أو لغصب المال وقتل النفس فهو آثم بتلك النية فاسق بها عاص لله عز وجل، ولا إثم عليه في وطئه، ولا أخذه ماله. ولا قتله الحربي ولا قاتل أبيه، لأنه لم يواقع في ذلك إلا مباحا له.
وقد يظن ظان أن المستسهل للإثم وإن لم يواقعه لا يكتب عليه إثم ذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة.
قال أبو محمد: وهذا الحديث بين أن الذي لا يكتب عليه إثم فهي السيئة التي لم يعملها، وهذا ما لا شك فيه، ولم يقل صلى الله عليه وسلم إن إثم الهم بالسيئة لا يكتب عليه، والهم بالشئ غير العمل به، قال ضابئ بن الحارث البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * * تركت على عثمان تبكي حلائله ثم استدركنا هذا، وتأملنا النصوص فوجدناها مسقطة حكم الهم جملة، وأنه هو اللمم المغفور جملته.
فإن قال قائل: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن: من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة قيل له: قد صح ذلك، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن: الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن هم بسيئة ثم تركها قاصدا بتركها إلى الله تعالى، كتبت له حسنة بهذه النية الجميلة، فإن تركها لا لذلك لكن ناسيا أو مغلوبا أو بدا له فقط، فإنها غير مكتوبة عليه، لأنه لم يعملها ولا أجر له في تركها، لأنه
(٨٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 862 863 864 865 866 867 868 869 870 871 872 ... » »»
الفهرست