الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٧٢
الله تعالى، وإما أن يكون قلد فوافق في تقليده الصواب، وإما أن يكون قلد فوافق في تقليده الخطأ.
فأما الوجهان الأولان فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من اجتهد فأصاب فله أجران، وأن من اجتهد فأخطأ فله أجر، وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم عموم لكل مجتهد، لان كل من اعتقد في مسألة ما حكما ما فهو حاكم فيها لما يعتقد، هذا هو اسمه نصا لا تأويلا، لان الطلب غير الإصابة، وقد يطلب من لا يصيب على ما قدمنا، ويصيب من لا يطلب، فإذا طلب أجر فإذا أصاب فقد فعل فعلا ثانيا، يؤجر عليه أجرا ثانيا أيضا.
فإن أشكل عليه بعد طلبه، فلم يأت محرما عليه ولا اعتمد معصية، فلا إثم عليه ولم يفعل ما أمر به من الإصابة فلا أجر له فيما لم يفعل، وله بالطلب أجر واحد.
ولكن الطلب يختلف، فمنه طلب أمر به، وطلب لم يؤمر به، فالطلب الذي أمر به هو الطلب في القرآن والسنن ودليلهما، فمن طلب في هذه المعادن الثلاثة فقد طلب كما أمر. فله أجر الطلب، لأنه مؤد لما أمر به منه على ما ذكرنا.
والطلب الذي لم يؤمر به هو الطلب في القياس، وفي دليل الخطاب وفي الاستحسان وفي قول من دون النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يطلب كما أمر، فلا أجر له على طلب ذلك لكن لما كانت نيته بذلك القصد إلى الله عز وجل وطلب الحق وابتغاءه، كان غير قاصد إلى الخطأ وهو يدري أنه خطأ، فله من ذلك نية من هم بخير وهم بحسنة، وهي الطلب الذي لم يفعله. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من هم بحسنة ولم يعملها فإنها تكتب له حسنة والحسنة بلا شك أجر، فالاجر هنا يتفاضل، فمن هم بالطلب ثم طلب كما أمر فله عشر حسنات، لأنه هم بحسنة فعملها، ومن هم بالطلب كما أمر، فله حسنة واحدة، لأنه لم يعملها كما أمر.
حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد ابن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم، ثنا أبو كريب، ثنا أبو خالد الأحمر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة
(٨٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 867 868 869 870 871 872 873 874 875 876 877 ... » »»
الفهرست