الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٧٧
وأيضا فإن قولهم في المد والصاع هو أقل ما قيل، فهو حجة عندنا من هذه الجهة، كما لو قال غيرهم ذلك سواء ولا فرق، لان ما قالوا: الصاع ثمانية أرطال، وقال قوم: أكثر من ذلك، وقال جمهور أهل المدينة وقوم من غيرهم: خمسة أرطال ونيف. فكان هذا المقدار متفقا على وجوب إخراجه في زكاة الفطر، وجزاء الصيد، وكفارة الواطئ في رمضان، والمظاهر، وحلق الرأس للمحرم قبل بلوغ الهدي محله، فوجب الوقوف عند الاجماع في ذلك، وكان ما زاد مختلفا فيه لم يجب القول به إلا بنص. ولا نص مسندا صحيحا في ذلك، فلم يجب القول بإخراج الزيادة على ذلك، بغير نص ولا إجماع، وأجمعت الأمة كلها، بلا خلاف في أحد منها، على أن المد والصاع المذكورين في زكاة الفطر هما المذكوران في المقدار الذي تلزم فيه الزكاة من الحب والتمر، وأنهما سواء، فلما صح المقدار المذكور في زكاة الفطر، صح أنه يعينه في زكاة الحب والتمر، ولا فرق، ويكفي من هذا أنه نقل مبلغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكافة.
وأما الخلاف في المد والصاع، فإنما هو خلاف رأي، لا خلاف رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسقط ذلك الخلاف، والحمد لله رب العالمين.
واحتجوا في ذلك بما روي من قول عبد الرحمن بن عوف لعمر رضي الله عنهما: إن الموسم يجمع رعاع الناس، فاصبر حتى تأتي المدينة فتخلو بوجوه الناس.
فالجواب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع من عبد الرحمن بن عوف، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل التبليغ الذي أمره الله به إلا في مكة في حجة الوداع في الموسم الجامع لكل عالم وجاهل. وهنالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا هل بلغت فقال الناس: اللهم نعم فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد ولم يجعل صلى الله عليه وسلم ذلك التبليغ العام الذي أقام به الحجة، في المدينة ولا في خاص من الناس، ولا بحضرة وجوه الناس خاصة دون الرعاع وكذلك لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة سورة براءة في المدينة، وهي آخر سورة نزولا، وهي الجامعة للسير وأحكام الخلافة والإمامة، حتى يبعث بها عليا ليقرأ في الموسم بمكة، في حجة أبي بكر رضي الله عنهما، بحضرة كل من حضر.
وإنما يكون الانفراد بوجوه الناس في الآراء التي تدار، ويستضر بكشفها
(٨٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 872 873 874 875 876 877 878 879 880 881 882 ... » »»
الفهرست