الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٧٣
ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت.
وبه إلى مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ، ثنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري، عن الجعد أبي عثمان، ثنا أبو رجاء العطاري، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة.
قال أبو محمد: وأما القسم الثالث: وهو المقلد المصيب، فهو في تقليده عاص لله عز وجل، لأنه فعل أمرا قد نهاه الله عنه وحرمه عليه، فهو آثم بذلك ويبعد عنه أجر المعتقد للحق، لأنه لم يصبه من الوجه الذي أمره الله تعالى به، وكل من عمل عملا بخلاف أمر الله تعالى فهو باطل.
ولا شك أن المجتهد المخطئ أعظم أجرا من المقلد المصيب وأفضل، لان المقلد المصيب آثم بتقليده غير مأجور بإصابته والمجتهد المخطئ مأجور باجتهاده غير آثم لخطئه، فأجر متيقن وأجر مضمون أفضل من أجر محروم وإثم متيقن بلا شك.
فإن قال قائل: فردوا شهادة كل مسلم لم يعرف الاسلام من طريق الاستبدال لأنه مقلد، والمقلد عاص، قيل له: ليس من اتبع من أمره الله تعالى باتباعه مقلدا، بل هو مطيع فاعل ما أمر به، محسن، وإنما المقلد من اتبع من لم يأمره الله تعالى باتباعه. فهذا عاص لله تعالى، ثم لو علمنا أن هذا المسلم إنما اعتقد من الاسلام تقليدا لأبيه وجاره ولمن نشأ معه، ولو أنه نشأ من غير المسلمين لم يكن مسلما، لما جاز قبول شهادته، وهذا لا يبعد من الكفر، بل إن عقد نيته على هذا فهو كافر بلا شك. وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم إذ وصف فتنة الناس في قبورهم، فقال صلى الله عليه وسلم: وأما المنافق أو المرتاب - لا ندري أسمى أي ذلك قال - فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئا فقلته وهذا نص ما قلنا، والمسلمون - بحمد الله - في أغلب أمورهم مبعدون عن هذا، بل تجد منهم الأكثر من عقد قلبه على أنه لو كفر أبوه وأهل مصره ما كفر هو ولو أحرق بالنار فهذا ليس مقلدا والحمد لله رب العالمين.
(٨٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 868 869 870 871 872 873 874 875 876 877 878 ... » »»
الفهرست