الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٥١
قال أبو محمد: هذا بارد وكذب، وليت شعري أي شئ من إدراك سفيان للتابعين مما يوجب أنه عناهم بهذا القول؟ فكيف يصح عن سفيان إلا ما رويناه آنفا من أنه ظن منه، ومثل هذا من الاقدام على القطع بالظنون لا يستسهله إلا من يستسهل الكذب، نعوذ بالله من ذلك.
ومما يوضح كذبهم في هذا على سفيان بن عيينة ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس العذري، ثنا أحمد بن عيسى بن إسماعيل البلوي، ثنا غندر، ثنا خلف بن القاسم الحافظ، ثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري، قال محمد بن أبي عمر: قال سفيان بن عيينة: لو سئل أي الناس أعلم؟ لقالوا سفيان، يعني الثوري، فهذا سفيان بن عيينة يقطع بأنهم كانوا يقولون سفيان أعلم الناس، فدخل في ذلك مالك وغيره. وأما الرواية عن أبي جريج فلا يدرى عمن هي، وإنما هي بلاغ ضعيف كما ترى. وبالله تعالى التوفيق.
وقد ضربت آباط الإبل أيام عمر في طلب العلم حقا، الذي هو العلم بالحقيقة وهو القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر الناس في خلافته إلى المدينة، متعلمين للعلم، ومتفقهين في الدين، وما كان في أقطار البلاد يومئذ أحد يقطع على أنه أعلم من عمر، لا سيما مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالعلم والدين، وأقصى ما يمكن أن يشك، هل يساويه في العلم علي وعائشة ومعاذ وابن مسعود؟
وأما أن يقطع بأنهم أعلم منه جملة، فلا أصلا.
وأما الاكثار من الرأي فليس علما أصلا، ولو كان علما لكان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن أعلم من مالك، لأنهم أكثر فتيا ورأيا منه فإذا ليس الرأي علما، وإنما العلم حفظ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين، فقد كان في عصر مالك من هو أوسع علما منه كشعبة وسفيان، ومن هو مثله كسفيان بن عيينة والأوزاعي وهشيم وغيره، فظهر كذب من كذب في الحديث المذكور، وبالله تعالى التوفيق.
ثم لو صح، وصح أنه مالك باسمه ونسبه، لكان إنما فيه أنه لا يوجد أعلم منه قط، وليس فيه أنه لا يوجد مثله في العلم، فبطل احتجاجهم، ولم يمنع وجود
(٨٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 846 847 848 849 850 851 852 853 854 855 856 ... » »»
الفهرست