الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٤٨
فقد كان تقليد ابن عباس أولى بكم إذ ولا بد، لأنه أفضل وأعلم عند الله عز وجل من الشافعي.
وقد قال قائلون منهم: نحن لم نرزق من العقل والفهم ما يمكننا أن نأخذ الفقه من القرآن، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فأتوا بالتي تملأ الفم فيقال لهم:
أمنعكم الله تعالى العقل الذي تفهمون به عند ما قد ألزمكم فهمه؟ إذ يقول عز وجل: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) *. وقد سمعتموه يقول: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) * وسمعتموه يقول: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * وسمعتموه يقول: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فلولا أن في وسعكم الفهم لاحكام القرآن ما أمركم بتدبره، ولولا أن في وسعكم الفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره بالبيان عليكم ولا أمركم بطاعته، هذا إن كنتم تصدقون كلام ربكم.
فليت شعري كيف قصرت عقولكم عن فهم ما افترض الله تعالى عليكم تدبره والاخذ به واتسعت عقولكم للفهم عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وما أمركم الله تعالى قط بالسماع منهم خاصة دون سائر العلماء ولا ضمن لكم ربكم تعالى قط العون على فهم كلامهم، كما ضمن لكم في فهم كلامه إنه لا يكلفكم إلا وسعكم.
وقد أيقنا أن الله عز وجل لا يأمرنا بشئ إلا وقد سبب لنا طرق الوصول إليه وسهلها وبينها، فقد أيقنا بلا شك عندنا أن وجوه معرفة أحكام الآي والأحاديث التي أمرنا بقبولها بينة لمن طلبها، إن صدقتم ربكم، وإن كذبتم كفرتم.
وأما ما لم نؤمر باتباعه من رأي مالك، وأبي حنيفة، وقول الشافعي، فلا سبيل إلى أن نقطع بأن فهمه ممكن لنا.
حدثنا أحمد بن عمر العذري، نا أبو محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس، أنا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، نا أبو الحسن علي بن عبد العزيز، ثنا الأصبهاني، نا عبد السلام، نا غطيف بن أعين المحاربي، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي:
يا ابن حاتم ألق هذا الوثن من عنقك فألقيته. ثم افتتح سورة براءة فقرأ حتى بلغ قوله تعالى: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * فقلت:
(٨٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 843 844 845 846 847 848 849 850 851 852 853 ... » »»
الفهرست