الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٥٤
ولا خلاف بين أحد المسلمين أن عمر وعليا وابن مسعود وعائشة. أعلم من مالك بلا شك، وليس ذلك يوجب تقليد أحد ممن ذكرنا، ولا اتباعه على جميع أقواله، كما فعلوا هم بمالك، فبطل تعلقهم بالحديث المذكور لو صح، وتأولهم فيه كذب بحت، لا يحل لاحد نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما الفرق بينهم في الاقدام وبين الشافعيين لو استحلوا أن يقولوا: إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس تبع لقريش في هذا الامر برهم لبرهم وفاجرهم لفاجرهم - إن المراد بهذا هو الشافعي، لأنه قرشي النسب، فيجب أن يكون الناس تبعا له؟ وبين الداوديين لو أنهم استحلوا فقال: إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن العلم - أو هذا الدين - بالثريا لتناوله رجل أو رجال من أبناء فارس المراد بهذا داود وأبو حنيفة، لأنهما من أبناء فارس؟ هذا على أن هذين الحديثين صحيحان لا شك في صحتهما، وحديث عالم المدينة معلول لا يصح.
فإن قالوا: قد كان في قريش علماء غير الشافعي، وفي الفرس علماء غير داود وأبي حنيفة، قيل لهم: وقد كان بالمدينة علماء غير مالك بلا شك، وكان هذا استحلال للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يستجيزه ذو ورع.
قال أبو محمد: وأما احتجاجهم بقول مالك: هذا العمل ببلدنا، فهذا لا معنى له، لان العمل بالمدينة قبل مولد مالك بثلاث وعشرين سنة لم يجز إلا بالظلم والجور والفسق، ولا وليهم إلا الفساق من عمال بني مروان، ثم عمال بني العباس كالحجاج وحبيش بن دلجة، وطارق وعبد الرحمن بن الضحاك وغيرهم ممن لا يعتد بهم. وما أدرك مالك قط بالمدينة بعقله عمل أمير ووال يقتدي به أصلا، ولقد كان التغيير بدأ في السنن من قبل ما ذكرنا كقول مروان: ذهب ما هنالك. ودليل ما ذكرنا تركهم عمل عمر وعثمان في نصوص الموطأ، فبطل الاحتجاج بالعمل جملة، ولا يبق إلا الرواية التي رواها ثقات العلماء عن أمثالهم، إذ لم يمكن
(٨٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 849 850 851 852 853 854 855 856 857 858 859 ... » »»
الفهرست