الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٤١
عقبي، لا تجزأ سلمان منه، وأول مشاهد سلمان فالخندق، فقد شهد عليه السلام أن الأنقص فضلا أتم فقها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ورب مبلغ أوعى من سامع وإنما خاطب بذلك الصحابة، فغير منكر ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
ويكفي من هذا أن كل ما ذكرنا من الفقهاء الذين قلدوا مبطلون التقليد ناهون عنه، مانعون منه، مخبرون أن فاعله على باطل، وقد حدثنا حمام، عن الباجي، عن أسلم القاضي، عن المازني، عن الشافعي: أنه نهى الناس عن تقليده وتقليد غيره.
وحدثنا عبد الرحمن بن سلمة، ثنا أحمد بن خليل، ثنا خالد بن سعد، ثنا أحمد بن خالد، أنا يحيى بن عمر، أنا الحارث بن مسكين، ثنا ابن وهب قال: سمعت مالكا وقال له ابن القاسم: ليس أحد بعد أهل المدينة أعلم بالبيوع من أهل مصر، قال له مالك: من أين علموا ذلك؟ قال: منك يا أبا عبد الله، قال مالك:
ما أعلمها أنا، فكيف يعلمونها هم؟
قال أبو محمد: كيف وقد أغنانا الله تعالى عن قولهم في ذلك بما نص في كتابه من إبطال التقليد فمن قول الله عز وجل: * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) *، ثم قال الله تعالى على أثر هذه الآية: * (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) *.
قال أبو محمد: فمن اتخذ رجلا إماما يعرض عليه قول ربه وقول نبيه عليه السلام، فما وافق فيه قول ذلك الرجل قبله، وما خالفه ترك قول ربه تعالى وقول نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو يقر أن هذا قول الله عز وجل وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، والتزم قول إمامه فقد اتخذ دون الله تعالى وليا، ودخل في جملة الآية المذكورة.
اللهم إننا نبرأ إليك من هذه الفعلة، فلا كبيرة أعظم منها.
وقال تعالى: * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) *.
(٨٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 836 837 838 839 840 841 842 843 844 845 846 ... » »»
الفهرست