الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٣٩
فإن قال: لم يكن قبله أحد أفضل منه، كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: إننا لا ندرك بإنفاقنا مثل أحد ذهبا مد أحد من أصحابه ولا نصيفه، وبقوله صلى الله عليه وسلم: إنه ما من عام إلا والذي بعده دونه وقائل هذا مخالف للاجماع، وخارج عن سبيل المؤمنين. ولا شك عند كل مؤمن أن أبا بكر وعائشة وعليا وعمر ومعاذا وأبيا وزيدا وابن مسعود وابن عباس - أعلم بما شاهدوا من نزول القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل من سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وابن القاسم وداود ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأبي ثور.
وهؤلاء الفقهاء رحمهم الله هم الذين قلدتهم الطوائف بعدهم ما نعلم الآن على ظهر الأرض أحدا يقلد غيرهم، لا سيما وقد حدثنا أحمد بن عمر العذري، ثنا علي بن الحسن بن فهر، ثنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد الذهلي، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني الهيثم بن جميل، قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم:
حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا، وحدثنا فلان عن إبراهيم بكذا، ونأخذ بقول إبراهيم. قال مالك: صح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم. فقال مالك: هؤلاء يستتابون.
قال أبو محمد: فإن قال: بلى، قد كان من ذكرتم وغيرهم مما كان بعد من ذكرتم، ومع هؤلاء المذكورين، وقبلهم أفضل منهم وأعلم بالدين. قيل له:
فلم تركت الأفضل والأعلم، وقلدت الأنقص فضلا وعلما؟.
فإن قال: لأنه أتى بعض الأولين متعقبا، قيل له: فقلد من أتى بعدهم أيضا متعقبا على هؤلاء.
فإن كان مالكيا، أو شافعيا، أو حنفيا، أو سفيانيا، أو أوزاعيا قيل له: فقلد أحمد بن حنبل، فإنه أتى هؤلاء ورأى علمهم وعلم غيرهم، وتعقب على جميعهم ولا خلاف بين أحد من علماء أهل السنة، أصحاب الحديث منهم وأصحاب الرأي، في سعة علمه وتبجحه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفتاوى الصحابة
(٨٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 834 835 836 837 838 839 840 841 842 843 844 ... » »»
الفهرست