الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٣٨
ونسأله التوفيق والعصمة، فكل شئ بيده لا إله إلا هو.
وحدثت طائفة من الأشعرية، أبدعوا في قولهم بالتقليد قولا طريفا في السخف، وهو أن قالوا: الفرض على العامي إذا نزلت به النازلة أن يسأل عن أفقه من في ناحيته، فإذا دل عليه سأله، فإذا أفتاه لزمه الاخذ به، ولا يحل للعامي أن يأخذ بقول ميت من العلماء، قديما كان أو حديثا، صاحبا كان أو تابعا، أو من بعدهم، فإن نزلت بذلك العامي تلك النازلة بعينها مرة أخرى، لم يجز له أن يأخذ تلك الفتيا التي أفتاه الفقيه بها، ولكن يسأله مرة ثانية، أو يسأل غيره، فما أفتاه به أخذ به، سواء كانت تلك الفتيا الأولى غيرها، وقالوا: إن الفرض على كل أحد إنما هو ما أداه إليه اجتهاده فيما لا نص فيه فكل مجتهد في هذا الموضع فهو مصيب.
قال أبو محمد: ويكفي من بطلان هذا القول أنها كلها قضايا مفتراة، ودعاوى بلا برهان أصلا.
فإن قالوا: قال الله تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * قلنا:
صدق الله تعالى، وكذب محرف قوله، أهل الذكر هم رواة السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء بأحكام القرآن، برهان ذلك قوله تعالى: * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * فصح أن الله تعالى إنما أمرنا بسؤالهم ليخبرونا بما عندهم من القرآن والسنن، لا لان يشرعوا لنا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، بآرائهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة، وفي هذا كفاية، وبالله تعالى التوفيق.
فصل قال أبو محمد: قد ذكرنا كل ما موه به القائلون بالتقليد، وبينا بطلانه وانتقاضه بعون الله تعالى لنا، ولله الحمد، ونحن الآن ذاكرون ما قاله الله تعالى في إبطال التقليد، ونبين وجه الحجاج في بيان سقوطه، وأنه لا يحل تصريفه في دين الله عز وجل أصلا.
فمن ذلك أن يقال لمن قلد: ما الفرق بينك وبين من قلد غير الذي قلدت أنت؟
فإن أخذ يحتج في فضل من قلد ووصف سعة علمه، سئل: أكان قبله أحد أفضل منه وأعلم؟ أم لم يكن قبله أحدا أعلم منه ولا أفضل منه؟.
(٨٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 833 834 835 836 837 838 839 840 841 842 843 ... » »»
الفهرست