الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٥
للمستفتين، وإنما أنكرنا أن يؤخذ بها برهان يعضدها، ودون رد لها إلى نص القرآن والسنة، لان ذلك يوجب الاخذ بالخطأ، وإذا كان في عصره صلى الله عليه وسلم من يفتي بالباطل فهم من بعد موته صلى الله عليه وسلم أكثر وأفشى، فوجب بذلك ضرورة أن نتحفظ من فتيا كل مفت، ما لم تستند فتياه إلى القرآن والسنة والاجماع.
واحتجوا أيضا فقالوا: إن الصحابة رضي الله عنهم شهدوا أسباب الأوامر منه صلى الله عليه وسلم، وما خرج منها على رضا، وما خرج منها على غضب، فوجب اتباعهم في فتاويهم لذلك.
قال أبو محمد: فيقال لهم وبالله التوفيق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث مبينا على كل من يأتي إلى يوم القيامة، لا على أصحابه وحدهم، فكل سبب من غضب أو رضى يوجب حكما فقد نقلوه إلينا، ولزمهم أن يبلغوه فرضا بقوله عليه السلام: ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فقد نقلوا كل ما شهدوه من ذلك إذا لم يكونوا في سعة من كتمانه، وقد أعاذهم الله من ذلك، ولو كتموا شيئا مما يوجب حكما في الشريعة، مما سمعوا أو مما شاهدوا، لاستحقوا أقبح الصفات، وقد أعاذهم الله من ذلك ونزههم عنه، فلم يقتصروا رضي الله عنهم على فتاويهم دون تبليغ منهم لما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم وشاهدوه منه، كما نقلوا إلينا غضبه على الأنصاري الذي أراد أن يقول بالخصوص في قبلة الصائم، وغضبه على معاذ في تطويله الصلاة إذا كان إماما، وغضبه على من تنزه عما فعل صلى الله عليه وسلم، وغضبه على اليهود إذ قال: والذي اصطفى موسى على البشر، وإعراضه عن عمار إذ تخلق، وعن عائشة وفاطمة إذ علقتا السترين المزينين، وسروره بقول مجزز المدلجي في أسامة بن زيد، وسروره باجتماع الصدقة بين يديه إذ أمر بالصدقة إذ أتاه القوم المجتابون للنمار، وإشاحته بوجهه المكرم، صلى الله عليه وسلم وأفضل
(٨٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 820 821 822 823 824 825 826 827 828 829 830 ... » »»
الفهرست