الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٤
عن المثنى بن سعيد رده إلى أبي العالية قال: قال العباس، ويل للاتباع من عثرات العالم. قيل له: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم من قبل رأيه، ثم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأخذ به، وتمضي الاتباع بما سمعت.
قال حماد بن زيد: حدثنا النعمان بن راشد قال: كان الزهري ربما أملى علي حتى إذا جاء الرأي ووقفته عليه فأكتبه فيقول: اكتب إنه رأي ابن شهاب، وإنه لعلك أن يبلغك الشئ فيقول ما قاله ابن شهاب إلا بأثر، فليعلم أنه رأيي.
قال أبو محمد: لم يدعا رضي الله عنهما من البيان شيئا إلا أتيا به، فأعلمك ابن عباس أن كاتب رأي العالم والآخذ به له الويل، وأن العالم يقول برأيه: وأنه يلزمه ترك ذلك الرأي إذا سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، وأعلمك الزهري أنه يقول برأيه، وينهاك عن أن تقول فيما أتاك عنه: إنه لم يقله إلا بأثر، وهكذا يفعل هؤلاء الجهال فإنهم يقولون: لم يقل هذا مالك وفلان وفلان إلا بعلم كان عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم ويحكمون بالظن ويتركون اليقين، نعوذ بالله من الخذلان.
واحتج بعضهم في إثبات التقليد بغريبة جروا فيها على عادتهم في الاحتجاج بكل ما جرى على أفواههم، وذلك الحديث الذي فيه: إن ابني كان عسيفا على هذا قالوا فقد كان الناس يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي.
قال أبو محمد: وهذا أعظم حجة عليهم في إبطال التقليد، لان المفتين اختلفوا في تلك المسألة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فأفتى بعضهم على الزاني غير المحصن بالرجم، وأفتى بعضهم عليه بجلد مائة وتغريب عام، فكان هذا التنازع لما وقع قد وجب فيه الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فرد الامر إليه فحكم بالحق وأبطل الباطل. وهكذا الامر الآن، قد اختلف المفتون حتى الآن في تلك المسألة بعينها فقال أبو حنيفة: عليه الجلد ولا تغريب عليه حرا كان أو عبدا، وقال مالك: عليه الجلد والتغريب إلا أن يكون عبدا، وقلنا نحن وأصحاب الشافعي: عليه الجلد والتغريب على العموم، عبدا كان أو غير عبد، فوجب أن يرد هذا التنازع الذي بيننا إلى القرآن والسنة، فوجدنا نص السنة يشهد لقولنا فوجب الانقياد له، فهذا الحديث يبطل التقليد جملة، ونحن لم ننكر فتيا العلماء
(٨٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 819 820 821 822 823 824 825 826 827 828 829 ... » »»
الفهرست