الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨١٩
قال بأحد القولين، وتعرف عدد من قال بالقول الثاني، وهذا أمر لم يفعلوه قط في شئ من مسائلهم، وقد قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *.
ونقول لهم أيضا: هلا قلتم بالأكثر عددا في الشهود إذا اختلفوا؟ على أن عليا يقول بذلك، فأين تقليدكم الامام الصحابي؟ وأين قولكم باتباع الأكثر عددا؟ فإن قالوا: النص منعنا من ذلك، وتركوا قولهم إن الصحابي أعلم منا، ولا شك أن عليا رضي الله عنه قد عرف من النص الوارد في الشهادات كالذي عرف مالك وأبو حنيفة والشافعي، مع أن النص لم يرد في عدد الشهود إلا في الزنى والطلاق والديون فقط.
وقد رجع الصحابة من قول إلى قول، وخالف كل إمام منهم الامام الذي كان قبله، فقد كانت الضوال أيام عمر مهملة لا تمس، ثم رأى عثمان بيعها، وقد ذكرنا ما خالف فيه عمر أبا بكر قبل هذا، وقد نهى عثمان عن القران، فلبى علي بهما معا قاصدا معلنا بخلافه، فلما قال له في ذلك، قال له علي:
ما كنت لأترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد.
وحدثني أحمد بن عمر بن عمر، نا أبو ذر، نا زاهر بن أحمد، أنا زنجويه بن محمد، نا محمد بن إسماعيل البخاري، نا محمد بن يوسف، نا سفيان، عن أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: قلت لأبي بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الامر؟ قال كتاب الله تعالى ما استبان لك فاعمل به. وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه.
قال أبو محمد: فليقلدوا عليا وأبيا في هذا، فإنهما على الحق المبين فيه الذي لا يحل خلافه أصلا.
وهؤلاء عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود، يرون رد فضلات المواريث على ذوي الأرحام، وزيد بن ثابت وحده يرى رد الفضل على بيت المال دون ذوي الأرحام، وإن كان خصمنا مالكيا أو شافعيا فقد ترك قول الأئمة من الصحابة وقول الجمهور منهم، وأخذ بقول زيد وحده، وكذلك فعلوا في الأقراء فقالوا هي الأطهار، وجمهور الصحابة على أنه الحيض، والأقل على أنها الأطهار.
(٨١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 814 815 816 817 818 819 820 821 822 823 824 ... » »»
الفهرست