الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٠٧
وقال بعضهم: إنما نتبعهم فيما لا سنة فيه.
قال أبو محمد: وإذ لم يبق إلا هذا فقد سقط شغبهم، وليس في العالم شئ إلا وفيه سنة منصوصة، وقد بينا هذا في باب إبطال القياس من كتابنا هذا، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بما أخبرناه عبد الله بن ربيع قال: نا محمد بن معاوية، نا أحمد ابن شعيب، أنا محمد بن بشار، نا أبو عمر، نا سفيان - هو الثوري - عن الشيباني - هو أبو إسحاق - عن الشعبي، عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله فكتب إليه:
أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقض فيه الصالحون، فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرا لك، والسلام عليكم.
قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم، لان عمر لم يقل بما قضى به بعض الصالحين وإنما قال: ما قضى به الصالحون فهذا هو إجماع جميع الصالحين، وفي هذا الحديث إباحة عمر ترك الحكم بالقياس واختياره لذلك.
ويقال لهم - في احتجاجهم بما روي من الامر بالتزام سنة الخلفاء الراشدين المهديين - هذا حجة عليكم، لان سنة الخلفاء الراشدين المهديين كلهم - بلا خلاف منهم - ألا يقلدوا أحدا، وألا يقلد بعضهم بعضا، وأن يطلبوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وجدوها فينصرفوا إليها ويعملوا بها، وقد أنكر عمر رضي الله عنه أشد الانكار على رجل سأله عن مسألة في الحج، فلما أفتاه قال له الرجل، هكذا أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه عمر بالدرة وقال له:
سألتني عن شئ قد أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أخالفه. رويناه من طريق عبد الرزاق، وقال عمر رضي الله عنه: إن الرأي منا هو التكليف، وإن الرأي من النبي صلى الله عليه وسلم كان حقا.
قال أبو محمد: فمن كان متبعا لهم فليتبعهم في هذا الذي اتفقوا فيه من ترك
(٨٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 802 803 804 805 806 807 808 809 810 811 812 ... » »»
الفهرست