الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٠٣
افتتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن - أو قال المسلم - يفتتن ثم يتوب، وأما القرآن فإن له منارا كمنار الطريق لا يخفى على أحد، فما علمتم منه فلا تسألوا عنه أحدا، وما لم تعلموا فكلوه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل الله غناه في قلبه فقد أفلح، ومن لا فليست بنافعته دنياه.
قال أبو محمد: رحم الله معاذا، لقد صدع بالحق، ونهى عن التقليد في كل شئ، وأمر باتباع ظاهر القرآن، وألا يبالي من خالف فيه، وأمر بالتوقف فيما أشكل. وهذا نص مذهبنا. وبالله تعالى التوفيق.
ومن العجب احتجاجهم بهذا الخبر، ولا يدري أحد لماذا؟ فإن كانوا أرادوا بذلك تقليد معاذ، وأنه كان يسن السنن، فقد جاء عنه أنه كان يورث المسلم من الكافر فيقلدوه، وإلا فقد لعبوا بدينهم، وإن كانوا يحتجون به في إيجاب تقليد أبي حنيفة ومالك والشافعي، فهذا حمق ما سمع بأظرف منه وأين تقليد معاذ من تقليد هؤلاء.
واحتج بعضهم بقوله تعالى: * (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) *. وبقوله تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * وبقوله تعالى: * (وكلا وعد الله الحسنى) * وبقوله عز وجل: * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * فقالوا من أثنى الله تعالى عليه فقوله أبعد من الخطأ وأقرب من الصواب.
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وبما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الحديث الذي فيه: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وقالوا: إن الصحابة من رضي الله عنهم شهدوا الوحي فهم أعلم بما شهدوا وقال بعضهم،: قول الخلفاء من الصحابة حكم وحكمهم لا يجب أن ينقض واحتجوا بقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * وبما روى من: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم فيه، بل الآيات التي ذكرنا حجة عليهم، أما قوله تعالى: * (محمد رسول الله والذين معه أشداء) * وقوله: * (لقد
(٨٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 798 799 800 801 802 803 804 805 806 807 808 ... » »»
الفهرست