الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٩٩
تقليد عمر لأبي بكر ما يوجب تقليد أهل زماننا لمالك وأبي حنيفة فبطل تمويههم بما ذكروا.
والرابع: أن المحتج بما ذكرنا عن عمر ينبغي أن يكون أوقح الناس، وأقلهم حياء، لأنه احتج بما يخالفه، وانتصر بما يبطله، لأنه لا يستحي مما استحى منه عمر، لان المحتجين بهذا يخالفون أبا بكر وعمر في أكثر أقوالهم، وقد ذكرنا خلاف المالكيين لما رووا في الموطأ عن أبي بكر وعمر فيما خلا من كتابنا، فأغنى عن ترداده، وبينا أنهم رووا عن أبي بكر ست قضايا خالفوه منها من خمس، وخالفوا عمر في نحو ثلاثين قضية مما رووا في الموطأ فقط. فهلا استحيا من هذا المحتج مما استحيا منه عمر ويلزمه أن يقلد أبا بكر وعمر، وإلا فقد أقر على نفسه بترك الحق، إذ ترك قول عمر، وهو يحتج بقوله في إثبات التقليد.
والخامس: أنه لو صح أن عمر قلد - وقد أعاذه الله من ذلك - لكان هو وسائر من خالفه من الصحابة، وأبطلوا التقليد راجيا أن ترد أقوالهم إلى النص، فلأيها شهد النص أخذ به، والنص يشهد لقول من أبطل التقليد.
واحتجوا بما حدثناه محمد بن سعيد، ثنا أحمد بن عون الله، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا الخشني، ثنا بندار، ثنا غندر، ثنا شعبة، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الشعبي، أن جندبا ذكر له قول في مسألة من الصلاة لابن مسعود، فقال جندب:
إنه لرجل ما كنت لأدع قوله لقول أحد من الناس.
وبه إلى الشعبي عن مسروق قال: كان ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفتون الناس: ابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعلي، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري، وكان ثلاثة منهم يدعون قولهم لقول ثلاثة: كان عبد الله يدع قوله لقول عمر، وكان أبو موسى يدع قوله لقول علي، وكان زيد يدع قوله لقول أبي بن كعب.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه: أحدها: أن راوي هذين الخبرين جابر الجعفي وهو كذاب، فسقط الاحتجاج به. وأيضا فكذب هذا الحديث الأخير بين ظاهر، بما هو في الشهرة والصحة كالشمس، وهو أن خلاف ابن مسعود لعمر أشهر من أن يتكلف إيراده،
(٧٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 794 795 796 797 798 799 800 801 802 803 804 ... » »»
الفهرست