الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٩٧
قال أبو محمد: فقد بين مسروق أنه جربهم فوجد ابن مسعود لا يقصر عن عمر في العلم، بل كلام مسروق يدل على تقدم ابن مسعود عنده على عمر في العلم، ولذلك اكتفى به عنه، وقد ذكرنا في باب الاجماع من كتابنا هذا - في باب من ادعى أن الاجماع هو إجماع أهل المدينة - صفة منزلة ابن مسعود عند عمر في العلم في كتابه إلى أهل الكوفة.
واحتج بعضهم بأن قال: لا بد من التقليد، لأنك تأتي الجزار فتقلده في أنه سمى الله عز وجل، وممكن أن يكون لم يسم، وهكذا في كل شئ.
قال أبو محمد: المحتج بهذا إما كان بمنزلة الحمير في الجهل، وإما كان رقيق الدين لا يستحي ولا يتقي الله عز وجل، فيقال له: إن كان ما ذكرت عندك تقليدا، فقلد كل فاسق وكل قائل، وقلد اليهود والنصارى فاتبع دينهم، لأنا كذلك نبتاع اللحم منهم. ونصدقهم أنهم سموا الله تعالى على ذبائحهم، كما نبتاعه من المسلم الفاضل، ولا فرق، ولا فضل بين ابتياعه من زاهد عابد، وبين ابتياعه من يهودي فاسق، ولا أثرة ولا فضيلة لذبيحة العالم الورع على ذبيحة الفاسق الفاجر، فقلد كل قائل على ظهر الأرض وإن اختلفوا، كما نأكل ذبيحة كل جزار من مؤمن أو ذمي.
فإن قال بذلك خرج عن الاسلام وكفى مؤونته، ولزمه ضرورة ألا يقلد عالما بعينه دون من سواه، كما أنه لا يقلد جزارا بعينه دون من سواه، وإن أبى من ذلك فقد أبطل احتجاجه بتقليد الجزار وغيره، وسقط تمويهه.
ولكن ليعلم الجاهل أن هذا الذي شغب به هذا المموه - من تصديقنا الجزار والصانع وبائع سلعة بيده -: ليس تقليدا أصلا، وإنما صدقناهم لان النص أمر بتصديقهم، وقد سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه بعينها فقالوا: يا رسول الله إنه يأتي قوم حديثو عهد بالكفر بذبائح لا ندري أسموا الله تعالى عليها فقال صلى الله عليه وسلم: سموا الله أنتم وكلوا أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وأمر تعالى بأكل طعام أهل الكتاب وذبائحهم فإن أتونا في تقليد رجل بعينه بنص على إيجاب تقليده أو بإجماع على إيجاب تقليده صرنا إليه واتبعناهم، ولم يكن ذلك تقليدا حينئذ، لان البرهان كان يكون حينئذ قد قام على وجوب اتباعه.
(٧٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 792 793 794 795 796 797 798 799 800 801 802 ... » »»
الفهرست