تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٩٦
وبهذه الآية تتم المقدمات المنتجة للزوم البعث ورجوع الخلق إليه تعالى فإنه تعالى لما كان ملكا قادرا على الاطلاق له أن يحكم بما شاء ويتصرف كيف أراد وهو منزه عن كل نقص وشين محمود في أفعاله، وكان الناس مختلفين بالكفر والايمان وهو بصير بأعمالهم، وكانت الخلقة لغاية من غير لغو وجزاف كان من الواجب أن يبعثوا بعد نشأتهم الدنيا لنشأة أخرى دائمة خالدة فيعيشوا فيها عيشة باقية على ما يقتضيه اختلافهم بالكفر والايمان وهو الجزاء الذي يسعد به مؤمنهم ويشقى به كافرهم.
وإلى هذه النتيجة يشير بقوله: " واليه المصير ".
قوله تعالى: " يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور " دفع شبهة لمنكري المعاد مبنية على الاستبعاد وهي أنه كيف يمكن إعادة الموجودات وهي فانية بائدة وحوادث العالم لا تحصى والأعمال والصفات لا تعد، منها ظاهرة علنية ومنها باطنة سرية ومنها مشهودة ومنها مغيبة، فأجيب بأن الله يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون.
وقوله: " والله عليم بذات الصدور " قيل إنه اعتراض تذييلي مقرر لشمول علمه تعالى بما يسرون وما يعلنون والمعنى: إنه تعالى محيط علما بالمضرات المستكنة في صدور الناس مما لا يفارقها أصلا فكيف يخفى عليه شئ مما تسرونه وما تعلنونه.
وفي قوله: " والله عليم " الخ، وضع الظاهر موضع الضمير والأصل " وهو عليم " الخ والنكتة فيه الإشارة إلى علة الحكم، وليكون ضابطا يجري مجري المثل.
قوله تعالى: " ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم " وبال الامر تبعته السيئة والمراد بأمرهم كفرهم وما تفرع عليه من فسوقهم.
لما كان مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا المعدودة في الآيات السابقة وجوب معاد الناس ومصيرهم إلى ربهم للحساب والجزاء فمن الواجب إعلامهم بما يجب عليهم أن يأتوا به أو يجتنبوا عنه وهو الشرع، والطريق إلى ذلك الرسالة فمن الواجب إرسال رسول على أساس الانذار والتبشير بعقاب الآخرة وثوابها وسخطه تعالى ورضاه.
ساق تعالى الكلام بالانذار بالإشارة إلى نبأ الذين كفروا من قبل وأنهم ذاقوا وبال أمرهم ولهم في الآخرة عذاب أليم ثم انتقل إلى بيان سبب كفرهم وهو تكذيب الرسالة ثم إلى سبب ذلك وهو إنكار البعث والمعاد.
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست