خاسرة وتركهم معاملة رابحة، وهو معنى حسن غير أنه لا يلائم معنى باب التفاعل الظاهر في فعل البعض في البعض.
وما نقله عن بعضهم وجه ثان لا يخلو من دقة، ويؤيده مثل قوله تعالى: " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " ألم السجدة: 17، وقوله: " لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد " ق: 35، وقوله: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " الزمر: 47.
ومقتضى هذا الوجه عموم التغابن لجميع أهل الجمع من مؤمن وكافر أما المؤمن فلما أنه لم يعمل لآخرته أكثر مما عمل، وأما الكافر فلانه لم يعمل أصلا، والوجه المشترك بينهما أنهما لم يقدرا اليوم حق قدره.
ويرد على هذا الوجه ما يرد على سابقه.
وهناك وجه ثالث وهو أن يعتبر التغابن بين أهل الضلال متبوعيهم وتابعيهم فالمتبوعون وهم المستكبرون يغبنون تابعيهم وهم الضعفاء حيث يأمرونهم بأخذ الدنيا وترك الآخرة فيضلون، والتابعون يغبنون المتبوعين حيث يعينونهم في استكبارهم باتباعهم فيضلون، فكل من الفريقين غابن لغيره ومغبون من غيره.
وهناك وجه رابع وردت به الرواية وهو أن لكل عبد منزلا في الجنة لو أطاع الله لدخله، ومنزلا في النار لو عصى الله لدخله ويوم القيامة يعطى منازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة، ويعطى منازل أهل الجنة في النار لأهل النار فيكون أهل الجنة وهم المؤمنون غابنين لأهل النار وهم الكفار والكفار هم المغبونون.
وقال بعض المفسرين بعد إيراد هذا الوجه: وقد فسر التغابن قوله ذيلا: " ومن يؤمن بالله - إلى قوله - وبئس المصير " انتهى. وليس بظاهر ذاك الظهور.
وقوله: " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا - إلى قوله - وبئس المصير " تقدم تفسيره مرارا.
(بحث روائي) في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا. وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة.