تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٠٤
الموانع، وما كان منها تاما لا مانع له يمنعه فإذنه له عدم جعله له شيئا من الموانع فتأثيره يصاحب الاذن من غير انفكاك.
وثانيا: أن المصائب وهي الحوادث التي تصيب الانسان فتؤثر فيه آثارا سيئة مكروهة إنما تقع بإذن من الله سبحانه كما أن الحسنات كذلك لاستيعاب إذنه تعالى صدور كل أثر من كل مؤثر.
وثالثا: أن هذا الاذن إذن تكويني غير الاذن التشريعي الذي هو رفع الحظر عن الفعل فإصابة المصيبة تصاحب إذنا من الله في وقوعها وإن كانت من الظلم الممنوع فإن كون الظلم ممنوعا غير مأذون فيه إنما هو من جهة التشريع دون التكوين.
ولذا كانت بعض المصائب غير جائزة الصبر عليها ولا مأذونا في تحملها ويجب على الانسان أن يقاومها ما استطاع كالمظالم المتعلقة بالاعراض والنفوس.
ومن هنا يظهر أن المصائب التي ندب إلى الصبر عندها هي التي لم يؤمر المصاب عندها بالذب والامتناع عن تحملها كالمصائب العامة الكونية من موت ومرض مما لا شأن لاختيار الانسان فيها، وأما ما للاختيار فيها دخل كالمظالم المتعلقة نوع تعلق بالاختيار من المظالم المتوجهة إلى الاعراض فلانسان أن يتوقاها ما استطاع.
وقوله: " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " كان ظاهر سياق قوله: " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله " يفيد أن لله سبحانه في الحوادث التي تسوء الانسان علما ومشية فليست تصيبه مصيبة إلا بعد علمه تعالى ومشيته فليس لسبب من الأسباب الكونية أن يستقل بنفسه فيما يؤثره فإنما هو نظام الخلقة لا رب يملكه إلا خالقه فلا تحدث حادثة ولا تقع واقعة إلا بعلم منه ومشية فلم يكن ليخطئه ما أصابه ولم يكن ليصيبه ما أخطأه.
وهذه هي الحقيقة التي بينها بلسان آخر في قوله: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " الحديد: 22.
فالله سبحانه رب العالمين ولازم ربوبيته العامة أنه وحده يملك كل شئ لا مالك بالحقيقة سواه، والنظام الجاري في الوجود مجموع من أنحاء تصرفاته في خلقه فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا عن إذن منه، ولا يفعل فاعل ولا يقبل قابل إلا عن علم سابق منه ومشية لا يخطئ علمه ومشيته ولا يرد قضاؤه.
فالاذعان بكونه تعالى هو الله يستعقب اهتداء النفس إلى هذه الحقائق واطمئنان
(٣٠٤)
مفاتيح البحث: الظلم (2)، المنع (1)، الصبر (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»
الفهرست