تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٠٠
وفي قوله: " والنور الذي أنزلنا " التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير ولعل النكتة فيه تتميم الحجة بالسلوك من طريق الشهادة وهي أقطع للعذر فكم فرق بين قولنا:
والنور الذي أنزل وهو إخبار، وقوله: " والنور الذي أنزلنا " ففيه شهادة منه تعالى على أن القرآن كتاب سماوي نازل من عنده تعالى، والشهادة آكد من الاخبار المجرد.
لا يقال: ماذا ينفع ذلك وهم ينكرون كون القرآن كلامه تعالى النازل من عنده ولو صدقوا ذلك كفاهم ما مر من الحجة على المعاد وأغنى عن التمسك بذيل الالتفات المذكور.
لأنه يقال: كفى في إبطال إنكارهم كونه كلام الله ما في القرآن من آيات التحدي المثبتة لكونه كلام الله، والشهادة على أي حال آكد وأقوى من الاخبار وإن كان مدللا.
وقوله: " والله بما تعملون خبير " تذكرة بعلمه تعالى بدقائق أعمالهم ليتأكد به الامر في قوله: " فآمنوا " والمعنى: آمنوا وجدوا في إيمانكم فإنه عليم بدقائق أعمالكم لا يغفل عن شئ منها وهو مجازيكم بها لا محالة.
قوله تعالى: " يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن " الخ، " يوم " ظرف لقوله السابق: " لتبعثن ثم لتنبؤن " الخ، والمراد بيوم الجمع يوم القيامة الذي يجمع فيه الناس لفصل القضاء بينهم قال تعالى: " ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا " الكهف: 99، وقد تكرر في القرآن الكريم حديث الجمع ليوم القيامة، ويفسره أمثال قوله تعالى: " إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " الجاثية: 17، وقوله: " فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " البقرة: 113، وقوله: " إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " السجدة: 25، فالآيات تشير إلى أن جمعهم للقضاء بينهم.
وقوله: " ذلك يوم التغابن " قال الراغب: الغبن أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الاخفاء. قال: ويوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن في المعاملة المشار إليها بقوله: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " وبقوله: " إن الله اشترى من المؤمنين " الآية، وبقوله: " الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " فعلموا أنهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا.
وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال: تبدو الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا.
انتهى موضع الحاجة.
وما ذكره أولا مبني على تفسير التغابن بسريان المغبونية بين الكفار بأخذهم لمعاملة
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»
الفهرست