تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٩٨
الفناء ويضمن لهم البقاء كأنه لاغنى للوجود عنهم كما حكى الله سبحانه عن قائلهم:
" قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا " الكهف: 35، وقال: " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة " حم السجدة: 50.
ومآل هذا الظن بالحقيقة إلى أن لله سبحانه حاجة إليهم وفيهم - وهو الغنى بالذات - فإهلاكه تعالى لهم وإفناؤهم إظهار منه لغناه عن وجودهم، وعلى هذا فالمراد بقوله:
" واستغنى الله " استئصالهم المدلول عليه بقوله: " فذاقوا وبال أمرهم ".
على أن الانسان معجب بنفسه بالطبع يرى أن له على الله كرامة كأن من الواجب عليه أن يحسن إليه أينما كان كأن لله سبحانه حاجة إلى إسعاده والاحسان إليه كما يشير إليه قوله تعالى: " وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " حم السجدة:
50، وقوله: " وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا " الكهف: 36.
ومآل هذا الزعم بالحقيقة إلى أن من الواجب على الله سبحانه أن يسعدهم كيفما كان كأن له إليهم حاجة فإذاقته لهم وبال أمرهم وتعذيبهم في الآخرة إظهار منه تعالى لغناة عنهم، فالمراد باستغنائه تعالى عنهم مجموع ما أفيد بقوله: " فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ".
فهذان وجهان في معنى قوله تعالى: " واستغنى الله " والثاني منهما أشمل، وفي الكلمة على أي حال من سطوع العظمة والقدرة ما لا يخفى، وهو في معنى قوله: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون " المؤمنون: 44.
وقيل: المراد واستغنى الله بإقامة البرهان وإتمام الحجة عليهم عن الزيادة على ذلك بإرشادهم وهدايتهم إلى الايمان.
وقيل: المراد واستغنى الله عن طاعتهم وعبادتهم أزلا وأبدا لأنه غني بالذات، والوجهان كما ترى.
وقوله: " والله غني حميد " في محل التعليل لمضمون الآية، والمعنى: والله غني في ذاته محمود فيما فعل، فما فعل بهم من إذاقتهم وبال أمرهم وتعذيبهم بعذاب أليم على كفرهم وتوليهم من غناه وعدله لأنه مقتضى عملهم المردود إليهم.
(٢٩٨)
مفاتيح البحث: الغنى (1)، الظنّ (1)، السجود (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»
الفهرست