تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٠٧
" من " في " أزواجكم " للتبعيض، وسياق الخطاب بلفظ " يا أيها الذين آمنوا " وتعليق العداوة بهم يفيد التعليل أي أنهم يعادونهم بما أنهم مؤمنون، والعداوة من جهة الايمان لا تتحقق إلا باهتمامهم أن يصرفوهم عن أصل الايمان أو عن الأعمال الصالحة كالانفاق في سبيل الله والهجرة من دار الكفر أو أن يحملوهم على الكفر أو المعاصي الموبقة كالبخل عن الانفاق في سبيل الله شفقة على الأولاد والأزواج والغصب واكتساب المال من غير طريق حله.
فالله سبحانه يعد بعض الأولاد والأزواج عدوا للمؤمنين في إيمانهم حيث يحملونهم على ترك الايمان بالله أو ترك بعض الأعمال الصالحة أو اقتراف بعض الكبائر الموبقة وربما أطاعوهم في بعض ذلك شفقة عليهم وحبا لهم فأمرهم الله بالحذر منهم.
وقوله: " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم " قال الراغب: العفو القصد لتناول الشئ يقال: عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده - إلى أن قال - وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، وقال: الصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو، ولذلك قال تعالى: " فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " وقد يعفو الانسان ولا يصفح، وقال: الغفر إلباس ما يصونه عن الدنس، ومنه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب قال: " غفرانك ربنا " " ومغفرة من ربكم " " ومن يغفر الذنوب إلا الله " انتهى.
ففي قوله: " فاعفوا واصفحوا واغفروا " ندب إلى كمال الاغماض عن الأولاد والأزواج.
إذا ظهر منهم شئ من آثار المعاداة المذكورة - مع الحذر من أن يفتتن بهم -.
وفي قوله: " فإن الله غفور رحيم " إن كان المراد خصوص مغفرته ورحمته للمخاطبين أن يعفوا ويصفحوا ويغفروا كان وعدا جميلا لهم تجاه عملهم الصالح كما في قوله تعالى:
" وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " النور: 22.
وإن أريد مغفرته ورحمته العامتان من غير تقييد بمورد الخطاب أفاد أن المغفرة والرحمة من صفات الله سبحانه فإن عفوا وصفحوا وغفروا فقد اتصفوا بصفات الله وتخلقوا بأخلاقه.
قوله تعالى: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم الفتنة ما يبتلى ويمتحن
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»
الفهرست