تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٩١
(بيان) تنبيه للمؤمنين أن يتجنبوا عن بعض الصفات التي تورث النفاق وهو التلهي بالمال والأولاد والبخل.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله " الخ، الالهاء الاشغال، والمراد بإلهاء الأموال والأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الاعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " الكهف: 46، والاشتغال بها يوجب خلو القلب عن ذكر الله ونسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل وتصديق قلبي ونسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له قال تعالى: " نسوا الله فنسيهم " التوبة: 67 وهو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم " البقرة: 16.
وإليه الإشارة بما في ذيل الآية من قوله: " ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ".
والأصل هو نهي المؤمنين عن التلهي بالأموال والأولاد وتبديله من نهي الأموال والأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الالهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح.
قوله تعالى: " وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت " الخ، أمر بالانفاق في البر أعم من الانفاق الواجب كالزكاة والكفارات أو المندوب، وتقييده بقوله: " مما رزقناكم " للاشعار بأن أمره هذا ليس سؤالا لما يملكونه دونه، وإنما هو شئ هو معطيه لهم ورزق هو رازقه وملك هو ملكهم إياه من غير أن يخرج عن ملكه يأمرهم بإنفاق شئ منه فيما يريد فله المنة عليهم في كل حال.
وقوله: " من قبل أن يأتي أحدكم الموت " أي فينقطع أمد استطاعته من التصرف في ماله بالانفاق في سبيل الله.
وقوله: " فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب " عطف على قوله: " أن يأتي " الخ، وتقييد الاجل بالقريب للاشعار بأنه قانع بقليل من التمديد - وهو مقدار ما يسع
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»
الفهرست