تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٨٨
على سمعهم وعلى أبصارهم وإذهاب نورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وفي الآخرة بجعلهم في الدرك الأسفل من النار.
وليس ذلك إلا لشدة المصائب التي أصابت الاسلام والمسلمين من كيدهم ومكرهم وأنواع دسائسهم فلم ينل المشركون واليهود والنصارى من دين الله ما نالوه، وناهيك فيهم قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليهم: " هم العدو فاحذرهم " المنافقون: 4.
وقد ظهر آثار دسائسهم ومكائدهم أوائل ما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فورد ذكرهم في سورة البقرة وقد نزلت - على ما قيل - على رأس ستة أشهر من الهجرة ثم في السور الأخرى النازلة بعد بالإشارة إلى أمور من دسائسهم وفنون من مكائدهم كانسلالهم من الجند الاسلامي يوم أحد وهم ثلثهم تقريبا، وعقدهم الحلف مع اليهود واستنهاضهم على المسلمين وبنائهم مسجد الضرار وإشاعتهم حديث الإفك، وإثارهم الفتنة في قصة السقاية وقصة العقبة إلى غير ذلك مما تشير إليه الآيات حتى بلغ أمرهم في الافساد وتقليب الأمور على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حيث هددهم الله بمثل قوله: " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " الأحزاب: 61.
وقد استفاضت الاخبار وتكاثرت في أن عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين وهم الذين كانوا يقلبون الأمور على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتربصون به الدوائر وكانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم وهم الذين خذلوا المؤمنين يوم أحد فانمازوا منهم ورجعوا إلى المدينة قائلين لو نعلم قتالا لاتبعناكم وهم عبد الله بن أبي وأصحابه.
ومن هنا ذكر بعضهم أن حركة النفاق بدأت بدخول الاسلام المدينة واستمرت إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا ما ذكرة جمع منهم لكن التدبر في حوادث زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والامعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة والاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعالة يقضي عليه بالنظر:
أما أولا: فلا دليل مقنعا على عدم تسرب النفاق في متبعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بمكة قبل الهجرة، وقول القائل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين بمكة قبل الهجرة لم يكونوا من القوة ونفوذ الامر وسعة الطول بحيث يهابهم الناس ويتقوهم أو يرجوا منهم خيرا حتى يظهروا لهم الايمان ظاهرا ويتقربوا منهم بالاسلام، وهم مضطهدون مفتنون معذبون
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست