تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٨٠
محمدا رسوله ثم كفرهم بخلو باطنهم عن الايمان كما قال تعالى فيهم: " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن " البقرة: 14.
ولا يبعد أن يكون فيهم من آمن حقيقة ثم ارتد وكتم ارتداده فلحق بالمنافقين يتربص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالمؤمنين الدوائر كما يظهر من بعض آيات سورة التوبة كقوله: " فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه " التوبة: 77، وقد عبر تعالى عمن لم يدخل الايمان في قلبه منهم بمثل قوله: " وكفروا بعد إسلامهم " التوبة: 74.
فالظاهر أن المراد بقوله: " آمنوا ثم كفروا " إظهارهم للشهادتين أعم من أن يكون عن ظهر القلب أو بظاهر من القول ثم كفرهم بإتيان أعمال تستصحب الكفر كالاستهزاء بالدين ورد بعض الأحكام.
وقوله: " فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " تفريع عدم الفقه على طبع القلوب دليل على أن الطبع ختم على القلب يستتبع عدم قبوله لورود كلمة الحق فيه فهو آئس من الايمان محروم من الحق.
والطبع على القلب جعله بحيث لا يقبل الحق ولا يتبعه فلا محالة يتبع الهوى كما قال تعالى: " طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " سورة محمد: 16، فلا يفقه ولا يسمع ولا يعلم كما قال تعالى: " وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " التوبة: 87، وقال: " ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون " الأعراف: 100، وقال: " وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون " التوبة: 93، والطبع على أي حال لا يكون منه تعالى إلا مجازاة لأنه إضلال والذي ينسب إليه تعالى من الاضلال إنما هو الاضلال على سبيل المجازاة دون الاضلال الابتدائي وقد مر مرارا.
قوله تعالى: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " الخ، الظاهر أن الخطاب في " رأيتهم " و " تسمع " خطاب عام يشمل كل من رآهم وسمع كلامهم لكونهم في أزياء حسنة وبلاغة من الكلام، وليس خطابا خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد أنهم على صباحة من المنظر وتناسب من الأعضاء إذا رآهم الرائي أعجبته أجسامهم، وفصاحة وبلاغة من القول إذا سمع السامع كلامهم مال إلى الاصغاء إلى قولهم لحلاوة ظاهره وحسن نظمه.
وقوله: " كأنهم خشب مسندة " ذم لهم بحسب باطنهم والخشب بضمتين جمع خشبة،
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»
الفهرست