تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٨٢
وقوله: " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " تعليل لقوله: " لن يغفر الله لهم "، والمعنى: لن يغفر الله لهم لان مغفرته لهم هداية لهم إلى السعادة والجنة وهم فاسقون خارجون عن زي العبودية لابطانهم الكفر والطبع على قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين.
قوله تعالى: " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا " الخ، الانفضاض التفرق، والمعنى: المنافقون هم الذين يقولون: لا تنفقوا أموالكم على المؤمنين الفقراء الذين لازموا رسول الله واجتمعوا عنده لنصرته وإنفاذ أمره وإجراء مقاصده حتى يتفرقوا عنه فلا يتحكم علينا.
وقوله: " ولله خزائن السماوات والأرض " جواب عن قولهم: لا تنفقوا الخ، أي إن الدين دين الله ولا حاجة له إلى إنفاقهم فله خزائن السماوات والأرض ينفق منها ويرزق من يشاء كيف يشاء فلو شاء لاغنى الفقراء من المؤمنين لكنه تعالى يختار ما هو الأصلح فيمتحنهم بالفقر ويتعبدهم بالصبر ليوجرهم أجرا كريما ويهديهم صراطا مستقيما والمنافقون في جهل من ذلك.
وهذا معنى قوله: " ولكن المنافقين لا يفقهون " أي لا يفقهون وجه الحكمة في ذلك واحتمل أن يكون المعنى أن المنافقين لا يفقهون أن خزائن العالم بيد الله وهو الرازق لا رازق غيره فلو شاء لأغناهم لكنهم يحسبون أن الغنى والفقر بيد الأسباب فلو لم ينفقوا على أولئك الفقراء من المؤمنين لم يجدوا رازقا يرزقهم.
قوله تعالى: " يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " القائل هو عبد الله بن أبي بن سلول، وكذا قائل الجملة السابقة: لا تنفقوا الخ، وإنما عبر بصيغة الجمع تشريكا لأصحابه الراضين بقوله معه.
ومرادة بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويريد بهذا القول تهديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإخراجه من المدينة بعد المراجعة إليها وقد رد الله عليه وعلى من يشاركه في نفاقه بقوله:
" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " فقصر العزة في نفسه ورسوله والمؤمنين فلا يبقى لغيرهم إلا الذلة ونفى عن المنافقين العلم فلم يبق لهم إلا الذلة والجهالة.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست