تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٧٩
والكذب خلاف الصدق وهو عدم مطابقة الخبر للخارج فهو وصف الخبر كالصدق وربما اعتبرت مطابقة الخبر ولا مطابقته بالنسبة إلى اعتقاد المخبر فيكون مطابقته لاعتقاد المخبر صدقا منه وعدم مطابقته له كذبا فيقال: فلان كاذب إذا لم يطابق خبره الخارج وفلان كاذب إذا أخبر بما يخالف اعتقاده ويسمى النوع الأول صدقا وكذبا خبريين، والثاني صدقا وكذبا مخبريين.
فقوله: " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله " حكاية لاظهارهم الايمان بالشهادة على الرسالة فإن في الشهادة على الرسالة إيمانا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويتضمن الايمان بوحدانيته تعالى وبالمعاد، وهو الايمان الكامل.
وقوله: " والله يعلم إنك لرسوله " تثبيت منه تعالى لرسالته صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما أورده مع أن وحي القرآن ومخاطبته صلى الله عليه وآله وسلم كان كافيا في تثبيت رسالته، ليكون قرينة مصرحة بأنهم كاذبون من حيث عدم اعتقادهم بما يقولون وإن كان قولهم في نفسه صادقا فهم كاذبون في قولهم كذبا مخبريا لا خبريا فقوله: " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " أريد به الكذب المخبري لا الخبري.
قوله تعالى: " اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله " الخ، الايمان جمع يمين بمعنى القسم، والجنة الترس والمراد بها ما يتقى به من باب الاستعارة، والصد يجئ بمعنى الاعراض وعليه فالمراد إعراضهم أنفسهم عن سبيل الله وهو الدين وبمعنى الصرف وعليه فالمراد صرفهم العامة من الناس عن الدين وهم في وقاية من أيمانهم الكاذبة.
والمعنى: اتخذوا أيمانهم الكاذبة التي يحلفون وقاية لأنفسهم فأعرضوا عن سبيل الله ودينه - أو فصرفوا العامة من الناس عن دين الله بما يستطيعونه من الصرف بتقليب الأمور وإفساد العزائم.
وقوله: " إنهم ساء ما كانوا يعملون " تقبيح لاعمالهم التي استمروا عليها منذ نافقوا إلى حين نزول السورة.
قوله تعالى: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " الظاهر أن الإشارة بذلك إلى سوء ما عملوا كما قيل، وقيل: الإشارة إلى جميع ما تقدم من كذبهم واستجنانهم بالايمان الفاجرة وصدهم عن سبيل الله ومساءة أعمالهم.
والمراد بأيمانهم - على ما قيل - أيمانهم بألسنتهم ظاهرا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست