مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١١١
ثم اعلم أن الروح الإنساني كما يكتسب بواسطة التعلق بالبدن هيئات واخلاقا ثابتة باقية معه بعد مفارقة البدن العنصري، وان لم يخل عن مظهر ونشأة يناسب العالم الذي يظهر فيه على ما هو مذهب المحققين - بخلاف أهل النظر من متأخري الفلاسفة - فكذلك الحقيقة العلمية الأصلية المسماة في بعض المواضع من هذا الكتاب وغيره من هذا الفن بالسر الإلهي أيضا وهى حضرة الامكان، إذا اعتبر من حيث التعين الإرادي والتوجه الامرى صادرا من حضرة الجمع، فإنه يتكيف - كما قلنا - في كل مرتبة بحسب ما يقتضيه حقيقة تلك المرتبة وينصبغ في كل فلك بحكم ذلك الامر الثابت الأصلي الموحى به في ذلك الفلك حال الايجاد وبحسب حكم المعين بالنسبة إلى ذلك الوقت الخاص والحال، فإذا دخل هذا العالم وصل مكتسبا بوصف كل ما مر عليه وحكمه، وقد كان من حيث هو في مرتبة أوليته هيولاني النعت، لا يتعين بصفة ولا يحكم عليه صبغة مرتبة، وهذا الحال من وجه يشبه الحال الكلى الذي ينتهى إليه الانسان الكامل في منتهى امره وكماله - على ما سيلوح لك بسره في اخر هذا المكتوب إن شاء الله -.
ومن كشف له عن هذا السر عرف سر الفطرة الإلهية وسر تحريم بعض الأغذية وتحليل غيرها، وان للمولدات الثلاث خواص وأسرارا في بدن المغتذى ونفسه أيضا بحسب ما أودع فيه خالقه، وهذا لسان مجمل يحتاج بيانه إلى مزيد بسط لا يحتمله هذا المختصر، وقد نبهنا في تفسير الفاتحة في شرح الاسم الرب على كليات اسرار مقام الغذاء والمغتذين بالغذاء المعنوي والروحاني والجسماني المركب والبسيط واختلاف مراتبهم ومراتب الأغذية مستوفى مختصرا، فمن وقف وفهمه عرف ما أشرنا إليه هنا إن شاء الله.
ثم نقول: وإذا انصبغ السر الإلهي باحكام ما يمر عليه من المراتب كما قلنا، ينقسم من وجه ثلاثة أقسام: قسم يكون نسبة الكيفيات والملابس إليه نسبة الصفات العرضية إلى
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست