مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٧١
ثم تقدم إلى سورا وبها يومئذ عبد الرحمن العجلي من قبل مصعب بن الزبير، فخرج إلى محاربة عبيد الله بن الحر وأصحابه، فقال ابن الحر لأصحابه: فداكم أبي وأمي! احملوا عليهم حملة صادقة، فلعلي أن أغنمكم مال سورا! قال: فصبر القوم بعضهم لبعض ساعة، ثم انهزم أهل سورا حتى دخلوا إلى المدينة، واحتوى ابن الحر وأصحابه على أسلابهم وأموالهم ودوابهم، ثم أنشأ ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:
سل ابن رؤيم عن جلادي وموقفي * بإيوان كسرى لا أوليهم ظهري إلى آخرها (1).
ثم سار عبيد الله بن الحر حتى نزل مدينة الأنبار، فلما رآه أهلها كأنهم اتقوه وهموا بالهرب من المدينة، فنادى فيهم ابن الحر: ليس عليكم من باس! أقيموا بمدينتكم أنتم آمنون! فتراجع القوم إلى منازلهم وأسواقهم، ثم أنهم حملوا إليه الميرة والهدايا، فقبلها منهم وقال: إن كانت لكم حاجة فاسألوني إياها! قال: فتقدم إليه جماعة منهم من أهل الأنبار فقالوا: نعم، أيها الأمير! إن حاجتنا إليك حاجة لله فيما يرضى الله، ولك فيها ثواب عظيم. قال: وما ذاك؟ قالوا: ههنا حبشي يقال له الغداف يقطع الطريق وحده ما بين مدينتنا هذه إلى مدينة هيت، ثم إنه يأتي مدينتنا هذه ليلا ونهارا، فلا يقدم عليه أحد لما يعلمون من بأسه وشدته، فإذا بلغه أن امرأة حسناء في موضع من المواضع هجم على تلك الدار فيأخذ المرأة ويكتف زوجها ثم يفجر بها، فان تكلم زوجها قتله ثم يخرج، فلا يقدر أحد عليه، فان رأيت أن تريحنا منه وأهل هذه البلدة يقرون لك بالعبودية إلى آخر الدهر!
قال: فتغير وجه عبيد الله بن الحر وأدركته الغيرة والأنفة، ثم أقبل على أهل الأنبار فقال: وأين يكون هذا الأسود؟ فقالوا: في وادي كذا وكذا قريبا من شاطئ الفرات. فدعا عبيد الله بن الحر بفرسه فاستوى عليه وأخذ سيفه وتقلد رمحه، ثم أقسم على أصحابه أنه لا يتبعه أحد منهم، ثم خرج من الأنبار في جوف الليل وهو يقول:
وأبيض قد نبهته بعد هجعة * وقد لبس الليل القميص الأرندجا (2) وجدت عليه مغرما فقبضته * وفرجت ما يرجا به أن يفرجا وكنت إذا قومي دعوني لنجدة * شددت نطاقي حيث أدعى وأسرجا فاكشف غماها وأكسب مغنما * وأطفي الذي قد كان فيها مؤججا ثم سار حتى صبح الوادي الذي فيه الغداف، فنزل عن فرسه إلى ماء يجري في أول الوادي، فتوضأ ثم وثب فصلى الفجر وعنان فرسه في يده. ثم وثب فاستوى على فرسه وجعل يتلفت يمنة ويسرة فلا يرى أحدا حتى إذا بزغت الشمس وإذا هو بالغداف وقد خرج من شعب من شعاب ذلك الوادي على فرس له أدهم أغر محجل، وفي يده رمح له طويل، وعلى رأسه عمامة له حمراء، وإذا هو أسود آدم، مشرف عظيم من الرجال. فوقف له ابن الحر حتى حاذاه وصار قبالته، فقال له الغداف أيها الرجل! من أين أقبلت؟
قال: من الأنبار، قال: فأين تريد؟ قال: أريد إلى هيت، قال الغداف:
بلغني أن عبيد الله بن الحر قد نزل بالأنبار، فأين يريد؟ قال: لا علم لي بذلك، فقال الغداف: لقد بلغني عنه شدة وفروسية وإقدام على الرجال، ولعله ما نازل بطلا، ولقد كنت أحب أن أزوره وأراه، وأنظر إلى جلادته ومنازلته للرجال! قال: ثم جعل يساير عبيد الله ويسأله عن حاله، حتى إذا أصحر عن الوادي قال له الغداف: انزل عن فرسك وانج! فقال له ابن الحر أو تعرفني؟ قال: لا، قال: فانا ابن الحر وإياك أردت يا كلب! ثم حمل عليه واختلفا بطعنتين، فطعنه ابن الحر طعنة نكسه عن فرسه، ثم نزل إليه فذبحه واحتز رأسه ووضعه في مخلاة، وأخذ سلاحه وأقبل يريد الأنبار، وأنشأ يقول:
إني رأيت بواد غابر رجلا * مثل الهزبر إذا ما ساور البطلا ضخم الفريسة لو أبصرت قامته * وسط الرجال إذا شبهته جملا سايرته ساعة ما بي مخافته * إلا التلفت حولي هل أرى دغلا أنشأ يسائلني عنه وأطعنه * فخر يهوي على الخيشوم منجدلا دهدهته بين أحجار وأودية * لا يعلم الناس غيري علم ما فعلا يدعى الغداف وقد مالت علاوته * إن الغداف وربي وافق الأجلا ثم وافى عبيد الله حتى دخل الأنبار وأمر برأس الغداف فنصب على باب المدينة. وفرح أهل الأنبار بذلك فرحا شديدا ثم حملوا إليه هدايا كثيرة من الأطعمة والأشربة وغير ذلك، فقبلها منهم.
وأقبل رجل من الأنبار وقال: أيها الأمير هل تعلم بالعراق من يدانيك أو يقوم مقامك؟ فقال: نعم، رجلا واحدا يقال له جرير بن مشجعة الجعفي، وهو اليوم مع بني عمه بالكوفة، ولو أنه معي أو في أصحابه أربعة مثله لكبست الكوفة فقتلت مصعبا واحتويت على ماله، وعسى أن يكون ذلك إن شاء الله. ثم جعل يقول:
لو أن لي مثل جرير أربعة * صبحت ببيت المال حتى أجمعه ولم يهلني مصعب ومن معه * نعم الفتى ذلكم ابن مشجعه ثم أقبل عبيد الله بن الحر على أصحابه وقال: تهيئوا الآن! فاني قد عزمت أن أسير بكم إلى الشام إلى عبد الملك بن مروان وأسأله المعونة على مصعب بن الزبير، فلعلي أشفي بنفسي منه ومن أصحابه قبل الموت. ثم نادى في أصحابه وترحل نحو الشام، وأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
وبالشام إخواني وجل عشيرتي * وقد جعلت نفسي إليك تطلع إلى آخرها.
ثم سار حتى صار إلى دمشق وبها يومئذ عبد الملك بن مروان، فوقف ببابه ثم استأذن له، ودخل فسلم، فرد عليه عبد الملك السلام، ثم أدناه وأقعده معه على سريره، ثم دعا بالخلع فخلع عليه، وأمر له بمائة ألف درهم، فقال له عبيد الله: يا أمير المؤمنين! لم أزرك للمال، إنما أريد أن توجه معي رجالا أقاتل بهم مصعب بن الزبير، فلست بآيس من أخذ العراق لك يا أمير المؤمنين! فاجابه عبد الملك بن مروان إلى ذلك، ثم أمر له بمائة ألف درهم أخرى، وأمر له ولأصحابه بالمنازل والأنزال، وأجرى عليهم الأرزاق. ثم أمر له بأربعة آلاف رجل من أهل الشام، فأعطاهم الأرزاق وضمهم إليه وأمرهم بالمسير معه.
فسار القوم مع عبيد الله حتى صاروا إلى الرقة، ثم انحدروا على الفرات

(1) انظر الأبيات في الطبري، وليست في ابن الأثير.
(2) الاندراج هو السواد.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370