مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٧٠
يفعلها. فقال له بعضهم: أيها الأمير! إن الله عز وجل يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى فان كان عبيد الله ابن الحر فعل ما فعل، فما ذنب القرابات وما ذنب النساء أن يحبسن بلا جرم كان منهن؟ ثم تكلم إبراهيم بن الأشتر فقال: أصلح الله الأمير! إنه وإن كان عبيد الله بن الحر قد فعل هذا الفعل فقد فعل كذلك بالمختار، وذلك أن المختار عمد إلى امرأته أم توبة الجعفية فحبسها في السجن، فلعله قد بلغك ما كان منه أنه كبس الكوفة صباحا في أصحابه وكسر باب السجن وأخرج امرأته قسرا، ثم لم يرض بذلك حتى أخرج كل من كان في السجن من النساء وهو في ذلك يقاتل أصحاب المختار، حتى تخلص سالما هو وأصحابه. فقال ابن الزبير: قاتله الله من رجل فما أشجع قلبه، والله! ما رأيت ولا سمعت برجل في دهرنا هذا اجتمع فيه ما في ابن الحر، من كرم نفس وشجاعة قلب وصباحة وجه وعفة فرج، غير أنه لا يحتمل على هذه الأفاعيل التي يفعلها.
وعزم مصعب علي أن يوجه إليه بجيش كثير من الكوفة، وعلمت بذلك بنو عمه فكتبوا إليه، فلما نظر في كتب بني عمه تبسم لذلك وأنشأ يقول:
يخوفني بالقتل قومي وإنما * أموت إذا حان الكتاب المؤجل لعل القنا تدني بأطرافها الغنى * فنحيا كراما أو نكر فنقتل ألم تر أن الفقر يزري باهله * وأن الغنى فيه العلى والتجمل إذا كنت ذا رمح وسيف مصمم * على سابح أدناك مما تؤمل وإنك إن لم تركب الهول لم تنل * من المال ما يرضي الصديق ويفضل إذا المرء لاقاني ومل حياته * فلست أبالي أينا كان أول ثم إن مصعبا كتب إليه كتابا: أما بعد، يا بن الحر! فان حلمي هو الذي يردعني من أن أعجل عليك، ولو أردت ذلك لما عظم علي أمرك ولو كنت في جيش بعدد خوص العراقين، فالله الله في نفسك انظر لها غيرك، واقبل إلى العاقبة، واكفف عما أنت عليه، وسلني أي عمل شئت وأحببت حتى أوليك إياه، لا يعترض عليك معترض، وإن أبيت سرت إليك بنفسي وخيلي ورجلي، واستعنت الله عليه والسلام.
قال: فكتب إليه ابن الحر: أما بعد، يا بن الزبير! فان كتابك ورد علي فقرأته، وفهمت ما فيه وما دعوتني إليه من طاعتك والكف عن محاربتك، ووالله لقد دعاني إلى نصره من هو خير منك أما وأبا وأصلا وحسبا وفرعا وحسبا الحسين بن علي وفاطمة الزهراء فلم أنصره، وإني على ذلك لمن النادمين، وأظن أني لمن الخاسرين، إلا أن تداركني رحمة رب العالمين، وأما وعيدك إياي المسير إلي بخيلك ورجلك فأنت وأصحابك أهون علي من جرامقة الجزيرة على عرب الحجاز والسلام. ثم أثبت في أسفل كتابه أبياتا مطلعها:
أتاني وعيد ابن الزبير فلم أرع * وما مثل قلبي بالوعيد مروع إلى آخرها.
ثم مضى عبيد الله بن الحر فجعل يغير على السواد يمنة ويسرة، فيهزم الرجال ويحوي الأموال فيقسمها في أصحابه، ثم أمر فجعل يقطع البلاد، حتى صار إلى مدينة يقال لها تكريت على شاطئ الدجلة، وبها يومئذ عامل المهلب بن أبي صفرة فأخذه عبيد الله بن الحر فضرب عنقه صبرا (1)، ثم دخل إلى مدينة تكريت فاحتوى على أموالها. ثم سار منها يريد الموصل، وبها يومئذ المهلب بن أبي صفرة من قبل مصعب بن الزبير، فلما بلغه خبر عبيد الله بن الحر سار إليه في أربعة آلاف فارس. وبلغ ذلك عبيد الله بن الحر، فرجع إلى تكريت فنزلها، ثم أرسل إلى من كان مع المهلب من بني عمه أن اكفوني أمركم ودعوني والمهلب، فاني أقوم به وبحربه إن شاء الله تعالى.
ثم يذكر ابن أعثم وقعة لعبيد الله مع المهلب بن أبي صفرة، لم يذكرها أحد غيره من المؤرخين اكتفينا بالإشارة إليها.
ثم يقول ابن أعثم:
ثم أقبل راجعا نحو الكوفة وهو يقول:
وأبيض قد نبهته بعد هجعة * فقام يشد السرج والمرء ناعس عليه دلاص كالإضاة وبيضة * تضيء كما يذكى من النار قابس ثم أقبل حتى نزل قريبا من الكوفة، وبلغ ذلك مصعب بن الزبير فدعا بحجار بن أبجر العجلي فضم إليه خمسة آلاف فارس ووجه بهم نحو عبيد الله بن الحر، فسارت الخيل من الكوفة حتى وافته بموضع يقال له دير الأعور، ودنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا، فقتل من أصحاب عبيد الله بن الحر جماعة وفشت فيهم الجراحات، وذلك في أول النهار، ثم وقعت الهزيمة بعد ذلك على أصحاب مصعب بن الزبير، فانهزموا حتى تقاربوا من الكوفة وقد قتل منهم من قتل، واحتوى عبيد الله بن الحر على ما قدر عليه من دواب القوم وأسلحتهم وأسلابهم.
ثم أقبل ابن الحر حتى نزل بموضع يقال له صرصر فعسكر هنالك، وجعل مصعب بن الزبير يجمع له الجموع حتى اجتمع إليه نيف عن سبعة آلاف فارس، فضمهم مصعب بن الزبير إلى مسلم بن عمرو الباهلي والحجاج بن حارثة الخثعمي. وسارت العساكر من الكوفة نحو عبيد الله بن الحر حتى وافوه على نهر صرصر، وقد التام إليه الناس فصار في ألف وثلاثمائة فارس ما منهم إلا فارس مذكور. ودنا القوم بعضهم من بعض، واستأمن قوم من أصحاب مصعب بن الزبير إلى عبيد الله بن الحر، فلما رأى أصحاب مصعب ذلك وقع فيهم الفشل، فانهزموا متفرقين في البلاد، وغنم ابن الحر وأصحابه ما كان لهم من مال ودواب وسلاح، ثم أنشأ وجعل يقول أبياتا مطلعها:
نفيت لصوص الأرض ما بين عانة * إلى جازر حتى مدينة دسترا إلى آخرها.
ثم كتب مصعب بن الزبير إلى يزيد بن رؤيم الشيباني يأمره بالمسير إلى عبيد الله بن الحر، وكان يزيد بن رؤيم يومئذ بالمدائن من قبل مصعب بن الزبير، فلما ورد عليه كتاب مصعب سار إلى عبيد الله بن الحر حتى وافاه في موضع يقال له باجسرى والتقى القوم هنالك، فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب يزيد بن رؤيم جماعة، وانهزم الباقون، وأتبعه عبيد الله بن الحر حتى وافاه بالمدائن. وتحصن يزيد بن رؤيم في قصر المدائن، وأحدق عبيد الله بن الحر وأصحابه بالقصر حتى أصبحوا، ثم إنهم استمدوا باهل مدينة الرومية فاجتمع أهل المدينتين جميعا على عبيد الله بن الحر وأصحابه، فقاتلهم ساعة فعلم أنه لا طاقة له بهم، فجعل يقاتلهم هو وأصحابه حتى تخلص من المدائن سالما.

(1) وفي الطبري وابن الأثير: فهرب عامل المهلب عن تكريت.
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370