مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٦٧
سيف بن هانئ إلى مصعب فأخبره بذلك، فأنشأ عبيد الله بن الحر يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
أيرجوا ابن الزبير اليوم نصري * لعاقبة ولم أنصر حسينا إلى آخرها.
فأرسل مصعب بن الزبير إلى وجوه أهل الكوفة فأحضرهم إلى مجلسه وأخبرهم بقصة عبيد الله بن الحر، فقال له رجل منهم: أصلح الله الأمير، إني أخبرك عنه بأمر! فقال مصعب: وما ذلك؟ فقال: إنه جاء يوما من الأيام فاستأذن عليكم فلم يأذن له الحاجب، وجاء مسلم بن عمرو الباهلي فدخل، وجاء المهلب بن أبي صفرة فدخل، وجاء إليك الناس واحدا بعد واحد، ثم دخل بعد ذلك عبيد الله بن الحر، فلما خرج سمعته يقول أبياتا حفظتها منه وهي هذه الأبيات: (1) بأي بلاء أم بآية نعمة * بمسلم قبلي يبتدي والمهلب ويدعى ابن منجوف أمامي كأنه * يطاعن قلبي بالوشيج المغلب بسوء بلاء أم لقتل عشيرتي * أذل وأقصى عن حجابات مصعب (2) فقال له مصعب: دع هذا! هذا شئ ما لنا به علم، ولكن هاتوا آراءكم وأشيروا علي بمشورة يعم صلاحها! فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير! إن عبيد الله بن الحر رجل صعلوك يأكل خبزه بسيفه، وهو مع ذلك رجل مطاع في قومه وعشيرته لما يعلمون من بأسه وشدته، ولقد كان خالف على المختار بن أبي عبيد وقاتله غير مرة، وقد خالف أيضا على معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد وعبيد الله بن زياد، وهو رجل لا يرى لأحد عليه طاعة، ويوشك أن يثور في هذا السواد، فيقتل ويفسد ويجلب الأموال كما فعل من قبل، والرأي في ذلك أن يبعث إليه الأمير بالبر والألطاف ويعده ويمنيه حتى يقع في يده، ثم يخلده السجن، فقال مصعب: هذا هين يسير إن قبل ذلك منا.
قال: ثم جعل مصعب يتلطف له ويعرض عليه الولاية ويهدي إليه الهدايا. فلم يزل كذلك حتى رجع إلى الكوفة، فلما دخل وسلم على مصعب لم يرد عليه السلام ثم قال: يا بن الحر! كيف صنعت؟ فقال: صنعت ما قد علمت وكذا يصنع الرجال الذين فيهم خير إذا لم يعطوا الرضا. قال مصعب! فأين أصحابك الذين معك؟ قال: خلفتهم ورائي وجئتك وحدي، فان كان منك ما أريد وما ضمنته لهم فذاك، وإن أسأت إلي وخالفت ما قرأت عنك في كتابك كان أصحابي من ورائي يفعلون ما آمر. ثم أمر به مصعب فقيد بقيد ثقيل، ودعا بسجان يقال له واصل، فقال له: خذ هذا إليك وضيق عليه في السجن ما استطعت.
فدعا واصل السجان بأعوانه وأمرهم فحملوا عبيد الله بن الحر من بين يدي مصعب حملا حتى انطلقوا به إلى السجن، فلما رآه أهل السجن كبروا وشمتوا. وأقبل السجان فاخذ رداء كان على عاتق عبيد الله بن الحر وقال له:
يا بن الحر! أريد أن تكسوني هذا الرداء فإنه رداء نفيس وقلما رأيت مثله!
فتبسم ابن الحر وقال: والله إن هذا ما أنت له باهل، ولكن خذه ولا تلبسه، وبعه لغيرك وانتفع بثمنه فاخذ واصل السجان رداء عبيد الله بن الحر فتردى به، وجعل يخطر فيه ليغيظه ذلك، فأنشأ عبيد الله بن الحر يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
فلم أر يوما مثل يوم شهدته * أبت شمسه مع غيمه أن تغيبا إلى آخرها. قال: فأقام ابن الحر في السجن شهرا كاملا، ثم كتب بعد ذلك إلى مصعب بكتاب يتهدده فيه بقومه وعشيرته ويخوفه من نفسه إن هو انفلت من السجن أن تجتمع إليه الجموع فيناويه في عزه وسلطانه، ثم كتب في كتابه أبياتا مطلعها:
لنعم ابن أخت المرء يسجن مصعب * لطارق ليل خائف أو لنائل إلى آخرها.
قال: فلما نظر مصعب بن الزبير في كتاب ابن الحر وشعره غضب لذلك وزبد وتمعر، ثم أرسل إلى وجوه أهل الكوفة فدعاهم، ثم قال: هذا ابن عمكم عبيد الله بن الحر يتوعدني بالقتال إن هو أفلت من يدي، والله لأطيلن حبسه ولأزيدن في حديده، ولأذيقنه طعم الذل والهوان. ثم أمر مصعب فزيد في حديده، وأمر فضيق عليه في السجن أشد الضيق.
فلما بلغ ابن الحر ما هو فيه من ثقل الحديد وضيق الحبس كتب إلى بني عمه يشكو إليهم ويقول أبياتا مطلعها:
ومن مبلغ الفتيان أن ابن عمهم * أتى دونهم باب منيع وحاجبه (3) إلى آخرها. قال: فلما وصلت هذه القصيدة إلى بني عمه كأنهم تحركوا لذلك، وقال بعضهم لبعض: لا والله ما هذا بحسن أن يكون أخونا وابن عمنا محبوسا يقاسي ثقل الحديد وضيق السجن ونحن آمنون. ثم وثب رجل منهم يقال له عطية بن عمر الجعفي فقال: يا هؤلاء! قوموا بنا إلى هذا الأمير حتى نكلمه في صاحبنا، فان هو شفعنا فيه وإلا ثرنا عليه فقاتلناه، فما هو أعز علينا ولا أعظم في عيوننا من المختار بن أبي عبيد الذي قتلناه في ساعة من النهار.
وبلغ ذلك مصعب بن الزبير، فسكت عن القوم كأنه لم يعلم بشئ من ذلك، فلما كان الليل بعث إلى عطية بن عمر الجعفي فاتي به في منزله، ثم أمر به مصعب فبطح بين يديه فضربه ثلاثمائة قضيب، ثم أمر به فقيد وحمل إلى السجن، فحبس مع عبيد الله بن الحر. وأصبحت قبائل الأزد ومذحج بالكوفة وقد بلغهم ذلك، فكأنهم هموا بالمصعب، ثم إنهم كفوا يومهم ذلك.
ونظر عبيد الله بن الحر إلى عطية بن عمر وجزعه من ذلك الضرب والحبس، فقال: لا تجزع يا عطية! فان الدهر يومان: يوم نعيم ويوم بؤس، والله يا عطية لأخرجن أنا وأنت من هذا السجن، ولأنغصن على

(1) في الطبري 7 / 173 أن ابن الحر قال الأبيات الآتية يعاتب مصعبا في ذلك ويذكر له تقريبه سويد بن منجوف.
(2) بدل البيت في الطبري:
وشيخ تميم كالثغامة * وعيلان عنا خائف مترقب جعلت قصور الأزد ما بين منبج * إلى الغاف من وادي عمان تصوب بلاد نفى عنها العدو سيوفنا * وصفرة عنها نازح الدار أجنب (3) وردت الأبيات في الطبري وابن الأثير.
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370