الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٥
أنتم حجة على أحد، فهاتوا برهانكم على صحة دعواكم إن كنتم صادقين، وهذا ما لا مخلص منه أصلا. والحمد الله رب العالمين.
قال أبو محمد وقال جاءت نصوص بإبطال القياس.
فمن ذلك قول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * وقال تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * وقال تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وقال تعالى: * (وما كان ربك نسيا) * وهذه نصوص مبطلة للقياس، وللقول في الدين بغير نص، لان القياس على ما بينا قفو لما لا علم لهم به، وتقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واستدراك على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يذكراه.
فإن قال أهل القياس: فلعل إنكاركم للقياس قول بغير علم، وقفو لما لا علم لكم به، وتقدم بين يدي الله ورسوله.
قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: نحن نريكم إنكارنا للقياس أنه قول بعلم وبنص وبيقين، وذلك أن الله عز وجل قال: * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) * فصح يقينا لا شك فيه أن الناس خرجوا إلى الدنيا لا يعلمون شيئا أصلا بنص كلام الله عز وجل. وقال تعالى: * (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) * فصح يقينا أن الله أرسل محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم إلينا ليعلمنا ما لم نعلم. فصح ضرورة أن ما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الدين فهو الحق، وما لم يعلمنا منها فهو الباطل، وحرام القول به وقال تعالى يعني به إبليس اللعين: * (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * وقال تعالى: * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) *.
فصح بنص القرآن أننا خرجنا إلى الدنيا لا نعلم شيئا ثم حرم علينا القول على الله تعالى بما لا نعلم، وأخبرنا تعالى أن إبليس يأمرنا بأن نقول على الله ما لا نعلم، فقد صح بهذه النصوص، ضرورة أن القول بقياس وبغير القياس، كمن أثبت العنقاء والغول والكيميا وكقول الروافض في الامام، وكقول من قال بالالهام
(١٠٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1050 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 1060 ... » »»
الفهرست