الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٣
أنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه فصح نصا أن ما لم يقل فيه النبي صلى الله عليه وسلم فليس واجبا، لأنه لم يأمر به، وليس حراما لأنه لم ينه عنه، فبقي ضرورة أنه مباح، فمن ادعى أنه حرام مكلف أن يأتي فيه بنهي من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جاء سمعنا وأطعنا، وإلا فقوله باطل، ومن ادعى فيه إيجابا كلف أن يأتي فيه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم فإن جاء به سمعنا وأطعنا، وإن لم يأت به فقوله باطل، وصح بهذا النص أن كل ما أمر به صلى الله عليه وسلم فهو فرض علينا إلا ما لم نستطع من ذلك، وأن كل ما نهانا عنه فحرام حاشا ما بينه صلى الله عليه وسلم أنه مكروه أو ندب فقط، فلم يبق في الدين حكم إلا وهو ههنا منصوص جملة.
ثم نعكس عليهم هذا السؤال وهذا القول فنقول لهم: أنتم تقولون: لا نازلة إلا ولها نظير في القرآن أو السنة، فنحن نعكس السؤال عن تلك النوازل التي تريدون سؤالنا عنها، من دينار وقع في محبرة وسائر تلك الحماقات، فأرونا نظائرها في القرآن والسنة، وأنتم تقرون أنه لا نصوص فيها، فخبرونا كيف تصنعون فيها أتحكمون فيها بقولكم؟ فهذا دينكم لا دين الله ففي هذا ما فيه، فظهر فساد كل سؤال لهم والحمد لله رب العالمين كثيرا.
وقال من سلف من أصحابنا رحمهم الله: يقال لمن قال بالقياس قد أجمعتم - أنتم وجميع المسلمين بلا خلاف من أحد منهم، على أن الاحكام كلها في الديانة جائز أن تؤخذ نصا، واتفقوا كلهم - بلا خلاف من واحد منهم لا من القائلين بالقياس ولا من غيرهم، على أن أحكام الديانة كلها لا يجوز أن تؤخذ قياسا، ولا بد عندهم من نص يقاس عليه، فيقال لأصحاب القياس، عندكم حقا فمن ههنا بدؤوا به فقيسوا ما اختلفنا فيه من المسائل التي جوزتم القياس فيها، ومنعنا نحن منها، على ما اتفقنا عليه من المسائل التي أقررتم أنها لا يجوز أن تؤخذ قياسا، فإن لم تفعلوا فقد تركتم القياس، وإن فعلتم تركتم القياس، ولسنا نقول إن هذا العمل صحيح عندنا ولكن صحيح على أصولكم ولا أبطل من قول نقض بعضه بعضا.
(١٠٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1049 1050 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 ... » »»
الفهرست