الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٩
النهي عنه باسمه ولا مجمعا عليه فهو حلال بنص الآية الأولى.
وقد أكد الله تعالى هذا في غير ما موضع من كتابه فقال عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * فبين الله تعالى أن كل شئ حلال لنا إلا ما نص على تحريمه، ونهانا عن اعتداء ما أمرنا تعالى به، فمن حرم شيئا لم ينص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم على تحريمه والنهي عنه، ولا أجمع على تحريمه، فقد اعتدى وعصى الله تعالى، ثم زادنا تعالى بيانا فقال: * (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم) * فصح بنص هذه الآية صحة لا مرية فيها أن كل ما لم يأت النهي فيه باسمه من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حلال لا يحل لاحد أن يشهد بتحريمه.
وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ئ قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) * فبين الله تعالى أن ما أمرنا به في القرآن أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو واجب طاعته، وضد الطاعة المعصية فمن لم يطع فقد عصى، ومن لم يفعل ما أمر به فلم يطع، ونهانا عن أن نسأل عن شئ جملة البتة ولم يدعنا في لبس أن يقول قائل: إن هذه الآية نزلت في السؤال عن مثل ما سأل عنه عبد الله بن حذافة: من أبى؟ فأكذب الله ظنونهم لكن قال الله تعالى: * (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) * فصح أن ذلك في الشرائع التي يكفر في جحدها، ويضل من تركها، فصح أن ما لم يأت به نص أو إجماع فليس واجبا علينا.
فأي شئ بقي بعد هذا؟ وهل في العالم نازلة تخرج من أن يقول قائل: هذا واجب؟ فنقول له: إن أتيت على إيجابه بنص من القرآن أو بكلام صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع، فسمعا وطاعة، وهو واجب، ومن أبى عن إيجابه حينئذ فهو كافر، وإن لم يأت على إيجابه بنص ولا إجماع، فإنه كاذب وذلك القول ليس بواجب أو يقول قال: هذا حرام، فنقول له: إن أتيت
(١٠٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1054 1055 1056 1057 1058 1059 1060 1061 1062 1063 1064 ... » »»
الفهرست