الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٤
ويقال لهم وجدنا مسائل كثيرة قد أجمعتم وأنتم وجميع الأمة على ترك القياس فيها، كقاتل تاب قبل أن يقدر عليه وندم، فلا يسقط عنه القصاص عند أحد، ولم تقيسوا ذلك على محارب تاب قبل أن يقدر عليه، فالحد في الحرابة عنه ساقط، وكذلك اتفقوا على ألا يقاس الغاصب على السارق، وكلاهما أخذ مالا محرما عمدا، أو كترك قياس تعويض الاطعام من الصيام في قتل الخطأ على تعويضه من الصيام في الظهار، ومثل هذا كثير جدا، بل هو أكثر مما قاسوا فيه، فلو كان القياس حقا ما جاز الاجماع على تركه، كما لا يجوز الاجماع على ترك الحق الذي هو القرآن، أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مما صح عنه، فإنه لم يجمع قط على ترك شئ منه إلا لنص آخر ناسخ له فقط، وهذا يوجب بطلان القياس ضرورة.
ويقال لهم أخبرونا عن القياس، أيخلو عندكم أن يحكم للشئ الذي لا نص فيه ولا إجماع بمثل الحكم الذي فيه نص أو إجماع، إما لعلة فيهما معا، هي في المحكوم فيه علامة الحكم، وإما لنوع من الشبه بينهما، وإما مطارفة لا لعلة ولا لشبه ولا سبيل إلى قسم رابع أصلا؟ فإن قالوا: مطارفة لا لعلة ولا لشبه كفونا مؤنتهم، وصار قائل هذا ضحكة ومهزأة، ولم يكن أيضا أولى بما يحكم به من غيره، يحكم في ذلك الامر بحكم آخر، وهذا ما لا يقوله أحد منهم.
فإن قالوا: بل لنوع من الشبه، قيل لهم: وما دليلكم على أن ذلك النوع من الشبه يجب به ذلك الحكم، ولا سبيل إلى وجود ذلك الدليل، وتعارضون أيضا بشبه آخر يوجب حكما آخر، وهذا أبدا.
فإن قالوا: بل لعلة جامعة بين الحكمين، سألناهم: ما الدليل على أن الذي تجعلونه علة الحكم هي علة الحقيقة؟ فإن ادعوا نصا فالحكم حينئذ للنص، ونحن لا ننكر هذا إذا وجدناه. فإن قالوا: غير النص قلنا: هذا الباطل والدعوى التي لا برهان على صحتها وما كان هكذا فهو ساقط بنص القرآن، وبحكم الاجماع والعقول، وإن قالوا: طرد حكم العلة دليل على صحتها، قيل لهم: طردكم أنتم، أو طرد أهل الاسلام.
فإن قالوا: طرد أهل الاسلام، قيل: هذا إجماع لا خلاف فيه، ولسنا نخالفكم في صحة الاجماع إذا وجد يقينا، وإن قالوا: بل طردنا نحن قيل لهم: ما طردكم
(١٠٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1049 1050 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 ... » »»
الفهرست