الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٦
وكل هذا، فالقول به على الله تعالى في الدين حرام. مقرون بالشرك أمر من أمر إبليس. إلا ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو الحق الذي نقوله على الله تعالى.
ولا يحل لنا أن نقول عليه غيره، فإذ لم يأمرنا عليه السلام بالقياس فهو حرام من أمر الشيطان بلا شك، وقد بينا فيما خلا، كل ما شغبوا مما أرادوا التمويه به فيه بالحديث فحرم القول بالقياس البتة.
وبهذا بطل كل قول بلا برهان على صحته، حتى لو لم يقيم برهان بإبطاله، فلو لم يكن لنا برهان على إبطال القياس لكان عدم البرهان على إثباته برهانا في إبطاله، لان الفرض علينا ألا نوجب في الدين شيئا إلا ببرهان، وإذ ذلك كذلك فالفرض علينا أن نبطل كل قول قيل في الدين، حتى يقوم برهان بصحته، وهذا برهان ضروري لا محيد عنه، وبالله تعالى التوفيق.
وقد اعترض بعضهم في قول الله تعالى * (اليوم أكملت لكم دينكم) * بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعدي وبما روي عن عائشة رضي الله عنها قولها: لم يكن الوحي قط أكثر منه قبيل موت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:
هذه أشياء زائدة على ما كان حين قوله تعالى في حجة الوداع: * (اليوم أكملت لكم دينكم) *.
واعترض آخرون من أهل الجهل على الحديث المذكور بالآية المذكورة، وصوبوا فعل عمر وقوله في ذلك اليوم.
قال أبو محمد: وهذان الاعتراضان من هاتين الطائفتين لا يشبهان اعتراض المسلمين، وإنما يشبهان اعتراض أهل الكفر والالحاد، وبعيد عندنا أن يعترض بهما مسلم صحيح الباطن، لان الطائفة الأولى مكذبة لله عز وجل في قوله إنه أكمل ديننا، مدعية أنه كانت هنالك أشياء لم تكمل، والطائفة الثانية مجهلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدعية عليه الكذب في أمر الكتاب الذي أراد أن يكتبه، أو التخطيط في كلامه، وأن قول عمر أصوب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين القولين كفر مجرد.
وكل هذه النصوص حق لا تعارض بين شئ منها بوجه من الوجوه، لان
(١٠٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 1060 1061 ... » »»
الفهرست