الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٧
الآية المذكورة نزلت يوم عرفة في حجة الوداع قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، وحتى لو نزلت بعد ذلك شرائع لما كان نزولها معارضا للآية المذكورة، لان الدين في كل وقت تام كامل، ولله تعالى أن يمحو من الدين ما يشاء، وأن يزيد فيه، وأن يثبت وليس ذلك لغيره، بل قد صح أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبيل موته بساعة بإخراج الكفار من جزيرة العرب، وألا يبقى فيها دينان، ولمن يكن هذا الشرع ورد قبل ذلك. ولو ورد لما أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما غرضنا من هذه الآية أن الله تعالى تولى إكمال الدين، وما أكمله الله تعالى فليس لأحد أن يزيد فيه رأيا ولا قياسا لم يزدهما الله تعالى في الدين، وهذا بين.
وبالله تعالى التوفيق.
وأما أمر الكتاب الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه يوم الخميس قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام، فإنما كان في النص على أبي بكر رضي الله عنه، ولقد وهل عمر وكل من ساعده على ذلك، وكان ذلك القول منهم خطأ عظيما، ولكنهم الخير أرادوا، فهم معذورون مأجورون، وإن كانوا قد عوقبوا على ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالخروج عنه، وإنكاره عليهم التنازع بحضرته.
ولقد ولد الامتناع من ذلك الكتاب من فرقة الأنصار يوم السقيفة ما كاد يكون فيه بوار الاسلام، لولا أن الله تداركنا بمنه، وولد من اختلاف الشيعة وخروج طوائف منهم عن الاسلام، أمرا يشجي نفوس أهل الاسلام، فلو كتب ذلك الكتاب لانقطع الاختلاف في الإمامة، ولما ضل أحد فيها، لكن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقد أبى ربك إلا ما ترى.
وهذه زلة عالم، نعني قول عمر رضي الله عنه يومئذ، قد حذرنا من مثلها، وعلى كل حال فنحن نثبت ونقطع ونوقن، ونشهد بشهادة الله تعالى، ونبرأ من كل من لم يشهد، بأن الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يمله في ذلك اليوم، في الكتاب الذي أراد أن يكتبه، لو كان شرعا زائدا من تحريم شئ لم يتقدم تحريمه، أو تحليل شئ تقدم تحريمه، أو إيجاب شئ لم يتقدم إيجابه، أو إسقاط إيجاب شئ تقدم إيجابه، لما ترك صلى الله عليه وسلم بيانه ولا كتابه لقول عمر، ولا لقول أحد
(١٠٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 1060 1061 1062 ... » »»
الفهرست